قدر العراق أن يكون مفتاحا لكل التحولات العنيفة فى الشرق الأوسط، هذا البلد العربى العريق الغنى بثرواته البشرية والنفطية والمائية والمتميز بموقعه الجغرافى بين المنطقة العربية والنفوذ الإيرانى وبداية المد الروسى ورغبة الولايات المتحدة فى السيطرة على منطقة الهلال الخصيب وإمدادات النفط هناك.
فور انتصار ثورة الخمينى وإيران وانتهاء دور «الشاه» شرطى أمريكا فى المنطقة، تم التخطيط للدفع بالعراق فى مواجهة مسلحة لاستنزاف البلدين معا فكانت الحرب العراقية ــ الإيرانية لإجهاض المد الثورى الإيرانى واستنزاف الثروات العراقية الهائلة وبعد انتهاء مأساة الحرب الإيرانية ــ العراقية بإجهاد البلدين، كان لابد أن تدخل المنطقة العربية فى نفق مظلم جديد، وكان العراق أيضا بقيادة صدام حسين هو مخلب القط لمرحلة جديدة من الانكسار العربى فكانت حرب الخليج الثانية باجتياح العراق للكويت، وبدلا من تكتل العرب فى مواجهة الفرس دعما للعراق، انقسم العرب بسبب صدام العراق إلى معسكرين مع صدام وضد اجتياح دولة عربية لأخرى، وانتهى الصراع بما هو معروف من اجتياح العراق واحتلاله وانهيار حلم الوطن العربى وانتهاء أدبيات القومية العربية، فى ثانى هزيمة روحية وسياسية كبرى يتلقاها العرب بعد نكسة 1967.
ومع احتلال العراق، دخلت الدول العربية فى طور الهزيمة وبات مشروع الشرق الأوسط الكبير لإعادة تخطيط المنطقة بكاملها أقرب ما يكون للتنفيذ، وأصبح الاحتماء بأمريكا أقرب ما يكون هروبا من الرمضاء إلى النار.
احتلال العراق سمح بتعاظم النفوذ الإيرانى فى المنطقة العربية، وباتت إيران هى الاحتلال البديل ودخل الحرس الثورى الإيرانى بقوة إلى بلاد الرافدين فى تحول تاريخى غير مسبوق، كما أسهم الوجود الأمريكى فى مساعدة طهران على إشعال العراق بأزمة السنة والشيعة وكسر وحدة العراق وظهور الأقليات مثل الأكراد فى مناطق نفوذ وحكم ذاتى.
وأصبحت خريطة الحكم فى العراق تتمثل فى قيادات شيعية موالية لإيران وتدعمها ميليشيات شيعية وقوات الحرس الثورى الإيرانى وتمتلك جيشا مخترقا وغير مدرب ومرتبكا على مستوى العقيدة العسكرية وفى المقابل مازالت قيادات الصفين الثانى والثالث بجيش صدام التى تم تسريحها من الخدمة غاضبة مما يحدث وتنتهز الفرصة للثأر لانكسارها من العدو التقليدى الإيرانى ومن أزلام الاحتلال الأمريكى، وبالفعل أصبح تكتل العشائر السنية وقيادات جيش صدام وعدد من غلاة السنة يحاربون قوات نورى المالكى وميليشيات الشيعة المدعومين بالحرس الثورى الإيرانى والإدارة الأمريكية فى حال انتصار العشائر وقيادات جيش صدام على تكتل نورى المالكى والحرس الثورى الإيرانى، سيشهد العراق والمنطقة العربية بأسرها تحولا هائلا، وستكون بداية الاحتواء الثانى لإيران وصعود المد الروسى من جديد فى الشرق الأوسط.
وفى حال انكسار تكتل العشائر وقيادات جيش صدام أمام التحالف الغريب بين واشنطن وطهران ستبقى دول الخليج العربى أسيرة الفزاعة الإيرانية ومرتمية فى أحضان واشنطن، من ينتصر فى الصراع الدموى الآن بالعراق؟.. تحالف طهران واشنطن ممثلا فى نورى المالكى وميليشياته أم عناصر العشائر السنية والحرس القديم؟، الوقت لن يطول قبل أن نرى تغييرات درامية فى بلاد الرافدين قد تعيدنا إلى سنوات السبعينيات.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة