لست أدعى الفضيلة أو الخير كله لنفسى وأنا أحكى لكم حكاية زميل من الصحفيين مات اسمه عبد الله كمال، ولكنها حكاية لها دلالات على الأحياء قبل الأموات.
نحن شعب نُجِّل الموت والموتى ولا نشهد عليهم إلا بعد موتهم وكأننا نبخل عليهم بكلمة طيبة طالما هم أحياء, فكأن الحياة تكفيهم ولستُ أنا استثناء من هذا الشعب, ولكن يشهد الله أن تلك الشهادة التى سأدلى بها لم أكتمها يومًا فى قول أمام بطلها أو آخرين، ولكنى كتمتها مكتوبة مسجلة علىِّ وها أنا أكتبها فعذرًا للتأخير وعفوًا عنه، لم تكن لى تجربة عمل مع عبد الله كمال، ولكنه كان زميل مهنة أتابع مسيرته فكنت أراه من حواريين السلطان فى زمن مبارك كمئات غيره من زملاء المهنة، كما كان الأكثر حرفية وشطارة فى المهنة فالولاء حين يمارسه المجتهدون يكون أكثر خطرًا مما إذا مارسه الخائبون، فكم من صحفى وإعلامى كان لسان حال نظام مبارك وأعوانه، ولكن كثيرا منهم كان سطحيا خائبا فلا يُحسبُ لهم حساب, وبدا لى كما بدا لغيرى أن عبد الله كمال كان يحصل على ثمن ولائه ودفاعه عن النظام كغيره, ففى سن صغيرة نسبياً صار رئيس تحرير روز اليوسف وعضو مجلس شورى، وحصل على العديد من المناصب فى مقابل الولاء، وكنت كلما التقيه فى مناسبة ما أو تجمع صحفى أتجنب السلام عليه فقد كان بالنسبة لى أنذاك بوق السلطة.
ثم جاءت ثورة يناير وكنت من بين المشاركين فيها سعيًا لبلد أجمل وأرقى ورأيت وسمعت وشاهدت عشرات بل قل مئات ممن كانوا فى مهنتنا أبواقا أوفياء للسلطة سواء بالتأييد أو المعارضة المتفق عليها, رأيتهم سريعًا يبدلون ملابسهم ووجوههم وكلماتهم وقناعاتهم على خشبة المسرح ويسرعون فى ارتداء أقنعة جديدة فقد كان طوفان الثورة أنذاك هادر, واحد فقط لم يفعل بقى صامتًا، ولكنه لم يتبرأ ولم يتحول بل حين أتت الفرصة ليتحدث تحدث بما كان يقول سابقًا من قناعات وإن اختلفت معها إلا أن إعلانه لها فى ذلك الحين لم يكن يعنى غير أنه كان يعبر عن قناعات بغض النظر عن الغنائم فكم من صحفيين غنموا, وعادوا خلال الثورة، وبعدها ليغنموا بعكس ما غنموا به من قبل، وفى تلك اللحظة وأنا أرقب المشهد وجدتنى لا أملك إلا أن أُجْلَّ الزميل عبد الله كمال حتى على اختلافنا, وحين وجدته فى لقاء عام جمعنا سعيت مسرعة لكى أمد يدى لأصافحه بنفس اليد التى كنت أخفيها حتى لا تصافحه يومًا ما, ذلك لأن الاختلاف على السبل لا يعنى العداء وقلت له أنت رجل تحترم قناعاتك فى زمن فتنة، واعتذرت له عن سوء ظن سابق .
التهمة عبد الله كمال, وما كانت بتهمة حين رأينا وسمعنا وشاهدنا غيره يتبدل, قد يتحدث اليوم بعد أن غاب عبد الله عنا البعض بمآثره الشخصية أو المهنية أو غيرها، ولكنى لن أكون كذلك لأن المآثر الشخصية هى ذكرى لأصحابها لدى الدائرة الضيقة المحيطة بصاحبها, لكن عبد الله كمال كان مثالا أكبر فى سوء الظن بالبشر والحكم عليهم بلحظة معينة، التهمة أن تكون واحدا من كثيرين نقرأ لهم ونشاهدهم ونسمعهم, أما عبد الله كمال وحده ليس تهمة بل صحفى نابه وشاطر كانت له قناعات مختلفة دافع عنها لكنه كان يرى ما يراه حقاً، وكان ظنى وغيرى مختلف, رحم الله من تمسك حتى بالتهمة فى زمن الأراجوزات.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
بالفعل لدينا كم ضخم من المنافقين لان الاستبداد والقهر لا يستمر يوما واحدا الا بهم
كله من حساب صاحب المخل
عدد الردود 0
بواسطة:
مايكل عادل
احترم المقال ولكن
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
العدل اساس الملك والباطل يعقبه باطل وتحصين الفساد خزى وعار والبطانه المخلصه كنز النجاح
بدون