إنها حقا كرة القدم الحقيقية.. تلك اللعبة التى تُلعب فى المحروسة لعبة قريبة منها شكلا.. إنما موضوعا.. فهى تحتاج إلى جراحات تجميل سريعة، مع محاولة لأن يصل التجميل إلى جراحة «مخ» ترحمنا من حرق الأعصاب!
المونديال فى وطن الكرة بلاد السامبا.. البرازيل جاء فى موعده تماما، فمن ناحية هو «وجبة» دسمة تعوض للمصريين كل الأكلات الجاهزة المشكوك فى سلامتها وبنائها للجسم، ومن ناحية أخرى عقب التخطيط لبدء عمليات إعادة إعمار مصر كاملا، منذ تنفيذ خارطة الطريق عقب 30 يونيو، وتحديدا البدء فى التنفيذ الشامل بعد تولى المشير عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية.
مباراتا الأمس اللتان يمكن أن نخرج منهما بمفاهيم تضيف للعبة المصرية التى تشبه نظيرتها العالمية، وتضع أمام الجماهير أجهزة قياس يمكنها أن تفرق عبرها بين هذا.. وذاك!
الكل تابع مباراة البوسنة والأرجنتين.. وكيف سارت فنيا.. كما تابعنا الاستديوهات التحليلية أيضا.
رأينا فريقين كلاهما يفكر بطريقة مختلفة «كرويا».. التانجو الأرجنتينى يسعى لجس النبض البوسنى.. ثم فجأة وقبل اكتمال الدقيقة الثالثة يحرز مدافع البوسنة هدفا فى مرماه يتقدم به رفاق ميسى، ثم يجنح الأرجنتينيون إلى السلم ومحاولة الخروج بالنقاط الثلاث درأ لحظر مباريات الافتتاح التى كانت دائما مزعجة للأرجنتين، وكلنا نتذكر كيف هزم الكاميرون التانجو بهدف «أومام بيك» فى كأس العالم 1990 وقبلها أمام بلجيكا عام 1982 فى إسبانيا.
فكان اللعب بعدها يشبه ما نطلق عليه لعب «تجارى»، لكن البوسنيين ينتفضون بقيادة عزت «إيكوفيتش»، ويسعون لتقديم كرة قدم تعبر عن حاضرهم فى أول وصول للمونديال تحت اسم البوسنة والهرسك، وتحاول استدعاء الماضى الـ«يوغسلافى» قبل تحلل الاتحاد السوفيتى، وتحول أوروبا الشرقية، وقتها كان لهذه المدرسة محاولات جادة للوصول إلى منصة التتويج، لكن فارق الإمكانيات المادية.. والمادية فقط كان لصالح أوروبا، والبرازيل وجارتها اللاتينية.. أحيانا!
هى كرة القدم المجنونة المستديرة، ظل البوسنيون يلعبون.. ويحاولون.. واقتربوا من التعادل لكن منعهم عاملان مهمان.
العامل الأول كان براعة حارس الأرجنتين روميرو الذى يلعب لفريق موناكو الفرنسى.
أما العامل الثانى والأغرب بالنسبة للمقاييس العالمية، فكان محاولات نجوم البوسنة إحراج الأرجنتين، والنيل من نجومها، عبر «ترقيصة» بلدى ودقى يا مزيكا.. وإحراز هدف يذكره التاريخ، وتلك طريقة فى الأداء تذكرنا بتلك اللعبة الشبيهة بكرة القدم والتى نلعبها فى مصر!!
بكل تأكيد.. فات البوسنة أن تحرز هدفا وتتعادل، وكان الوقت سيكون لصالحها، خاصة وأن «ميسى» بينه وبين الأهداف المونديالية حالة خصام، جعلته يحتاج لعلاج كروى.. راجع المشهد بعدما أحرز الهدف الثانى للتانجو، وكيف طار فى الهواء كما لم يطر من قبل.. هذا الهدف الذى أعاد التوازن لراقصى التانجو، ودفع بالبوسنيين إلى العودة للواقع، لكن كان الوقت يمر سريعا.. وأقدام راقصى التانجو تثبت أكثر فى نجيل الـ«ماركانا».. هنا فكر نجوم البوسنة فى استغلال فترينة المونديال لحسابهما فهو أمر وارد فى الكرة.
الدرس المستفاد من هذا اللقاء كان وسيظل فريضة غائبة فى بلادنا.. فقد لعبت البوسنة وسجلت هدفا فى مرماها، وهدفا فى المرمى الأرجنتينى، وخرجت مهزومة.. عادى جدا!!
أما المباراة الثانية.. فكانت هى الأخرى تعليمية بحتة.. وبعيدة كل البعد عن الخطط الرقمية.. بل كانت منافسة من أجل البقاء.. هى مباراة فرنسا.. وهندوراس.. القادم من أمريكا الشمالية.
تغلب فيها نجوم فرنسا على منافس عنيف جدا، لكنه ليس عنيدا فى الكرة.
الفرنسيون لم يلعبوا فقط، إنما كان لديهم رسائل وأسئلة.. أولا رسائل لجماهيرهم والنقاد والإعلام حول الوجود الفرنسى بجيل يمثل خليطا من الشباب والكبار، ثانيا أن «الديوك» يمكنهم البقاء فى غياب «البعض»!!
للإعلام والنقد.. كان الرد على أسئلة كيفية تعويض غياب «بلال ريبرى» المصاب الجلال.. وأيضا السر فى استبعاد نجم الوسط الهداف أحيانا سمير نصرى.. وكأن الديوك يريدون مساندة مديرهم الفنى صاحب القرار «ديشامب» باعتباره المسؤول الأوحد.. وباعتبارهم كلاعبين يعلنون الموافقة %100 على اختياراته.. وهذا هو الاحتراف، ولا شأن له بالوطنية أبدا!!
الأهم أن الرسائل وصلت.. والإعلام غالبا سيغير بوصلة تغطية فريق الديوك!
الفرنسيون لعبوا.. ودفعوا ثمنا باهظا للفوز على هندوراس التى لا يعرف أحد من نجومه باستثناء «بلاسيوس» ويجان الإنجليزى، وحتى هذا النجم تم طرده للعنف المبالغ فيه.. فبدا هندوراس فريقا جاء ليضرب ليذكرنا بـ«زائير» الكونغو «كنشاسا» حاليا التى لعبت فى كأس العالم 1974 وهزمت من يوغسلافيا بتسعة أهداف، لكن نال نجومها كل ألوان الكروت، واستحقوا وقتها أن يصبحوا الفريق الأسوأ.. بل أبطال العالم فى العنف!
هندوراس.. قدمت أوراق اعتمادها باعتبارها بلدا يصعب على الوكلاء والسماسرة أن يختاروا منها نجوما لتصديرها إلى الأسواق الأوروبية.. بينما لازلنا هنا فى مصر ننتظر أن يتم فتح الباب للبضاعة المصرية للاعبين، باعتبار أن اللاعب المصرى عنده شوية ذكاء ملعب.. بالإضافة لابتعاده عن العنف والانفلات.
مباراتا الديوك وهندوراس.. والأرجنتين والبوسنة.. كانتا بالفعل تحملان لنا الكثير.. كما ألقينا الضوء.. أما الدليل الأكبر على حاجتنا لإصلاح المسار سريعا.. والبداية من احترام القيادة وعدم اعتماد أسئلة غريبة مثل السؤال العربى المعتاد، بعد المستوى الكبير الذى قدمته يا كابتن كذا عندما لعبت فى الشوط الثانى.. بالطبع أنت فى التشكيل القادم من البداية!!
الإجابة المصرية غالبا العربية: أنا تحت أمر البلد، دى مهمة قومية، وطبعا شرف ليا أن ألعب من البداية إن شاء الله!!
الإجابة المحترفة: لا أدرى فهى وجهة نظر المدير الفنى.. ولكل لاعب وقت يؤدى فيه.. لا أظن أن هناك ربطا بين أدائى، وأن ألعب من بداية المباراة القادمة!!
لاحظ أن السؤال أولا كان طويلا جدا وأن الإجابة تكلمت عن الشرف والوطنية والقومية، وضرورة أن يبدأ سيادته بإذن الله المباراة القادمة!!
أما مع الخواجة فى الموضوع منطقى جدا.. اللاعب لاعب لابد أن يؤدى، والمدير الفنى صاحب كل الحقوق الحصرية فى الاختيار والتغيير!!
أخيرا لاحظوا أن كريم بنزيمة صاحب الأصول العربية الجزائرية.. والصديق الصدوق للنجم سمير نصرى العربى الأصل والجذور جزائرية أيضا لم يرتد تحت الـ«تى شيرت».. فانلة تانية عليها رقم نصرى.. ولا صورة له.. ولا كلمتين عن الظلم والقهر.. إنها حقا كرة القدم الحقيقية لمستقبلنا يا رب.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة