محمد فودة

محمد فودة يكتب.. إعلان الحرب على التطرف فى المساجد

الأربعاء، 18 يونيو 2014 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما شهدته المساجد والزوايا فى جميع ربوع مصر ظهر يوم الجمعة الماضى، أثناء تنفيذ قرار وزير الأوقاف بمنع غير الأزهريين من اعتلاء المنابر وإلقاء خطبة الجمعة، لا يقل فى أهميته عن قرار إعلان الحرب على التطرف والإرهاب والعنف بكل أشكاله.. فقد جاء هذا القرار فى الوقت المناسب ليصحح الوضع الخاطئ، ويعيد ترتيب الأوراق المخلوطة، ويعدل الحال المقلوب الذى أصبح يتصدر المشهد فى مجال الدعوة الإسلامية، فمن المؤسف أن تلك المساجد الصغيرة والزوايا المنتشرة فى المناطق الشعبية تحولت، ومع مرور الوقت، إلى ما يشبه القنابل الموقوتة القابلة للانفجار فى أية لحظة، ففى غيبة من سيطرة الدولة أصبحت تلك المنابر أرضا خصبة لبث الفكر المتطرف، الذى يصدر عن أشخاص للأسف الشديد يرتدون عباءة الدين، وهم فى حقيقة الأمر أبعد ما يكون عن تعاليم الدين السمح.. أشخاص يطلقون على أنفسهم «أئمة» وهم بالفعل أئمة فى التكفير والتضليل والترويج للأفكار الغريبة والشاذة التى لا تمت للإسلام بأية صلة، لأنها فى حقيقة الأمر مجرد أفكار ورؤى تخدم مصالح فئة معينة، وتدعم هؤلاء الذين يتخذون من الدين ستاراً ليمارسوا تحت مظلته أفعالاً للأسف الشديد تسىء للدين وللإسلام، وتخدم مخططات أعداء الدين.

لقد تابعت تلك الروح شديدة الروعة والجمال التى بدأت تولد من جديد فى مساجدنا، التى أنشئت فى الأصل من أجل إقامة شعائر الدين السمح، فلفت نظرى أن الغالبية العظمى من المواطنين الأسوياء استقبلوا هذا القرار بترحاب شديد، فالناس وبعد كل تلك الفوضى التى عشناها لسنوات فى خطبة الجمعة بالمساجد والزوايا أصبحوا فى أشد الحاجة إلى تصويب هذه الأوضاع المقلوبة.. كما أن الناس أصبحت متعطشة للتزود بالتعاليم الصحيحة والأفكار التى تستند إلى صحيح الإسلام، فكلنا نعلم أنه ولأسباب لا تخفى عن أحد قد انحرفت كثيراً تلك المساجد الصغيرة والزوايا عن أداء الدور المنوط بها لتقدم نوعاً من الدعوة، تفوح منها رائحة الأفكار الغريبة عن مجتمعنا الطيب بطبعه، والمسالم بفطرته، والمحب للحياة البسيطة التى لا تعرف معنى التطرف أو العنف، أو الرغبة فى إقصاء الآخر من الحياة العامة.

فللمساجد فى تاريخ الدعوة الإسلامية شأن عظيم فهى بيوت الله - عز وجل يعبد فيها وحده ليلاً ونهارًا، فهو القائل فى محكم آياته «فى بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيْتَاءِ الزَّكاة يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيْدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (النور: 36، 37، 38).
والحق يقال، فإن تلك الحرب التى يقودها الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف من أجل استعادة الدور الحقيقى للمساجد الصغيرة والزوايا لم تأت من فراغ، وإنما جاء انعكاساً طبيعياً لفكر مستنير، ورؤى واضحة المعالم، لوزير يواصل الليل بالنهار، وهو يعمل من أجل إنجاز مشروعاته التى تستهدف فى المقام الأول إعادة الاعتبار للمساجد، وتطهير بيوت الله من هذا العدد الكبير من «دعاة الفتنة» الذين ظلوا يحتلون المنابر لسنوات طويلة. فقد نجحت بالفعل فى وقف 12 ألف خطيب إخوانى ومنعهم من إلقاء خطبة الجمعة، حيث لم تنطبق عليهم الشروط المحددة فى هذا الشأن، والتى تتمثل فى أن يكون الخطيب أزهرياً، لما يمثله الأزهر من وسطية فى الإسلام.. إلى جانب منع 14 ألف سلفى كانوا يخطبون فى مساجد الجمعيات المجمدة أرصدتها، والتى ضمتها الأوقاف أيضاً إلى المساجد التى أصبحت تعمل تحت مظلتها.

وبقراءة متأنية فى التقرير الصادر عن وزارة الأوقاف حول أول جمعة يتم فيها تطبيق هذا القرار الشجاع، نجد أن البداية مبشرة، وتدعو إلى التفاؤل، وتؤكد أننا سائرون فى الطريق الصحيح نحو التصحيح، وإعادة الأمور إلى مسارها الطبيعى، فقد شمل تطبيق اﻷوقاف قانون قصر الخطابة بالمساجد، وإلقاء الدروس على أبناء الأزهر والأوقاف المعينين لهذا الغرض، والمصرح لهم بذلك فى تصدى الوزارة، لرغبة بعض الفئات المحظورة فى السيطرة على مساجدها بالدفع ب 94 ألف أزهرى من أئمة الأوقاف المعينين بها بدرجة إمام وخطيب، وعددهم 58 ألف موظف بالقطاع الدينى بوزارة الأوقاف من أبناء جامعة الأزهر، و18 ألف خطيب مكافأة قدامى من الحاصلين على مؤهلات عليا من جامعة الأزهر، تمرسوا على الخطابة، ونجحوا فى اختبار خطباء المكافأة، و18 ألف خطيب مكافأة جدد، تم اختبارهم مؤخرا.

واللافت للنظر أن وزارة الأوقاف تخوض الآن معركة استعادة الفكر الأزهرى فى 107 آلاف مسجد، أصبحت ملكا لوزارة الأوقاف، منها 91 ألف مسجد تابع للوزارة ومملوكة لها منذ الأزل، من بينها 83 ألف مسجد حكومى تابع لها، و9 آلاف مسجد أهلى، و1400 مسجد مشترك بينها وبين الجمعيات الدعوية تشرف عليه الوزارة.
وقد ضمت الوزارة 14500 مسجد تابع للجمعيات الدعوية، وانتقلت تبعيتها للأوقاف، بموجب القرارات والقوانين الوزارية والرئاسية، منها 6 آلاف مسجد تابع للجمعية الشرعية، و4 آلاف تابع لجماعة أنصار السنة المحمدية، و1500 مسجد تابع لجمعية دعوة الحق، و3 آلاف مسجد تابع لجمعية الدعاة. ولأننا أمام حالة خاصة من العمل الإيجابى الذى يعود بالنفع للمجتمع ككل، نظرا لما يمثله المسجد من أهمية وقيمة كبرى فى حياة المصريين، نجد أن نادى الإنجازات المصرية قد ذكر فى تقرير له أن وزير الأوقاف من أكثر الوزراء نشاطًا وإيجابيةً، سواء فى حكومة الببلاوى أو حكومة محلب، حيث إنه نجح فى استعادة هيبة وزارة الأوقاف وهيبة المسجد وتقديره، حيث يعمل منذ توليه المنصب على العودة بالوزارة إلى حضن الأزهر الشريف، والعمل على ترسيخ المنهج الوسطى بسماحته وسعة أفقه.

وأشاد التقرير بالإنجازات العديدة للوزارة، والقرارات المهمة والجريئة التى اتخذها وزير الأوقاف، وفى مقدمتها منع إقامة صلاة الجمعة فى الزوايا، وقصرها على المسجد الجامع إلا للضرورة، وبتصريح مسبق من الأوقاف، ومنع غير الأزهريين من الخطابة، وإطلاق القوافل الدعوية المشتركة بين علماء الأزهر والأوقاف، تجوب محافظات الجمهورية (مدنها وقراها)، لنشر الفكر الوسطى المعتدل لمواجهة التطرف الدينى، وترسيخ مبادئ التسامح والتكافل الإسلامى، والتأكيد على حرمة الدماء.

ومن بين الإنجازات التى ذكرها التقرير أيضاً نجد الإنجاز الكبير المتمثل فى إنشاء منتدى السماحة والوسطية بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لمواجهة كل ألوان التشدد والتطرف والإرهاب، وإصدار قرار بإعادة ضم المساجد الأهلية إلى وزارة الأوقاف، مما يتيح توفير آلاف فرص العمل للشباب، إلى جانب حرصه على إقامة عدد من اللقاءات الحوارية، والمنتديات الفكرية مع العلماء والمفكرين والمثقفين والقوى الوطنية والشباب، حول آليات تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر التكفيرى والمتطرف.

ولأن الشىء بالشىء يذكر، فإننى أرى أن هناك مسألة مهمة ولا تقل فى أهميتها عن قرار منع غير الأزهريين من إلقاء خطبة الجمعة، وهى مسألة «توحيد خطبة الجمعة» بجميع مساجد مصر بداية كل شهر، بعد استطلاع رأى الأئمة بالموضوعات المقترحة للتناول، تحقيقًا للعدالة والشفافية، وبث روح التعاون بين أبناء الوزارة، وإنشاء إدارة جديدة ولأول مرة فى تاريخ وزارة الأوقاف لنشر الدعوة باللغات الأجنبية؛ حرصًا من الوزارة على القيام برسالتها فى نشر سماحة الإسلام فى مصر والعالم، والتواصل مع المسلمين فى شتى بقاع الأرض. لذا فإننى أرى الدكتور مختار جمعة استطاع وبكل جدارة أن «يكسر شوكة» أئمة التكفير، وأن يطهر بيوت الله من المضللين، الذين يسيئون للإسلام بتضليل الناس بأفكار بعيدة كل البعد عن تعاليم الدين السمح.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة