«1»
كان مبارك كسولا، مجندا يرتدى آفرول تنفيذ الإجراءات وما ورد بكتالوجات المعالجات الأمنية لجلب الاستقرار وإخضاع الرعية دون إبداع أو تفكير.
كان – لا حرمه الله من جلسة القفص وسط أولاده- يتبع مبدأ ترشيد الاستهلاك العقلى، وفقا للحكمة الشعبية الرائجة «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح».. هكذا دون دراسة أو تفكير أو حتى فضول لمعرفة نوع الريح القادمة، وما يترتب من أثار غلق الباب فى وجهها.
مبارك أول من أسس مبدأ اضرب ولا تفكر فى الأثار الجانبية لضربتك، وهذا الأمر يشبه إلى حد كبير الطبيب الذى يتصور أنه عبقرى، لمجرد أن حقنته المسكنة أزالت عنك الصداع سريعا، بينما تأثيرها الجانبى يجلب لك مع مرور الزمن نوعا سرطانيا فى قلب الكبد، هذا بالضبط ما فعله مبارك بمصر، مسكنات وسياسيات تجلب استقرار مؤقت وزائف، ولكنها تزرع فى الجسد أمراضا مميتة، ولعل ذلك يفسر لك جزءا من لغز السؤال الأشهر بعد 25 يناير 2011 كيف سقطت دولة مبارك بهذه السهولة؟!
«2»
كان مبارك يفتح السجون، ويصف داخل زنازينها معتقلين بالجملة، ومع كل هوجة أو انتفاضة معارضة، أو شعور بترنح دولته فى انتخابات معينة، كانت أجهزته الأمنية تأخذ العاطل فى الباطل عبر حملة اعتقالات مفتوحة تملأ السجون بما تطاله الأيدى، وفقا للشعار الشهير: ضعهم فى السجون ثم ننظر أمرهم فيما بعد.
العقل الأمنى فى زمن مبارك كان يرى المعتقلين مجرد أرقام، بطاقة شخصية تجاور الأخرى، وأسماء تتراص فوق بعضها فى قائمة طويلة تختتمها اتهامات عامة وغير واضحة المعالم، ويتم تقديمها للناس الخائفة على ضياع الاستقرار تحت عنوان، ما هى إلى إجراءات لحفظ الأمن، وعبر هذه القوائم دخل السجون والمعتقلون أعداد من البشر لا جريمة لهم سوى التواجد فى المكان الخطأ فى التوقيت الخطأ، أو ضيق وقت السيد المحقق أو الجهاز الأمنى بالشكل الذى يمنعه من تدقيق أسماء من تطولهم أيادى عساكر الأمن المركزى فى الشوارع والمظاهرات.
كان نظام مبارك يفتح لهم أبواب السجون يدخلونها وبعضهم أبرياء، شخصيات مغمورة، أو نصف مغمورة، مجرد أرقام فى بطاقات شخصية، وبروفايلات ساكنة على الفيس بوك، ثم يخرجون من سجونه وهم أبطال، ومشاهير، ونجوم يملكون قصصا عن النضال والأوضاع داخل السجون، وسيوف حادة يستخدمها الآخرون لتقطيع جسد الدولة الفاشلة.
«3»
رحل مبارك ولم يتصل أحدهم بشركات النظافة لتطهير ما خلفه الرجل من أفكار وأساليب وإجراءات لم تربح منها الدولة شيئا قط فى كل مواجهتها مع المعارضة، منذ بدأت فى منع الإخوان والإسلاميين من الظهور على الشاشة وصنعت بإبعادهم وحشا ظنه الناس قويا، ولم يكشفه سوى الظهور للنور وعبر شاشات التليفزيون، ثم انتهت بمحاولات إيهام الناس أن بعضا من الأبرياء أو المحبوسين احتياطيا دون دليل لا يضر طالما الهدف حفظ الأمن، ثم يكتشف الناس ومعهم الدولة أن من أدخولهم السجن مجهولون دون أدلة إدانة واضحة، خرجوا منه أبطالا كلمتهم أعلى من كلمة الدولة.
فى المدارس الابتدائية يعلمون التلاميذ أن «التكرار بيعلم الشطار»، ولكن للأسف هذا الدرس لم يدخل بعد ضمن المقرر تعليمه لأهل القصور الرئاسية والأجهزة الأمنية، لأن أحدا من أهل سلطة ما بعد 30 يونيو، سواء كان المستشار عدلى منصور أو اللواء محمد إبراهيم أو حتى الرئيس السيسى، لو كان قد وقف أمام المرآة وسأل نفسه: ما الذى جناه مبارك من فتح السجون للمعتقلين أو منع بعض الوجوه المعارضة من الظهور والحديث؟ لأجابتهم المرآة دون سحر بأنه لم يجنِ سوى تحويل بعض المعارضين الصغار إلى معارضين كبار، وبعض المجهولين الشباب إلى أبطال، ومنح بعض الأصوات الخافتة ميكروفونات مجانية ذات صدى دولى.
«4»
منذ 30 يونيو وحتى هذه اللحظة تقول أقل التقديرات: إن عدد المعتقلين فى مصر وصل إلى 8 آلاف معتقل، وهو إحصاء منسوب إلى المجلس القومى لحقوق الإنسان، بينما التقارير المنسوبة إلى بعض المنظمات الحقوقية الدولية تقول: إن عدد المعتقلين وصل إلى 16 ألف معتقل، وفى تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان يصل رقم المعتقلين إلى 20 ألف معتقل تحتل بهم مصر المركز الثانى فى قائمة الدول العربية من حيث عدد المعتقلين، ومن بين هذه الأعداد تقول القوائم التى تسلمتها الحكومة فى الشهر الأخير: إن حوالى 900 طالب ينتمون للجامعات المختلفة تم اعتقالهم الفترة الماضية، بينما المكتب التنفيذى لاتحاد طلاب مدارس مصر قد حدد أعداد المعتقلين من تلاميذ المرحلة الإعدادية والثانوية بـ100 طالب، ثم يأتى وزير العدل السابق المستشار نير عثمان متوجا هذه الأرقام الكارثية بتصريح يقول فيه: «أعداد المحبوسين احتياطيًا كبير للغاية، نظرًا للظروف الصعبة التى تمر بها البلاد» موضحا: «مش هقلل العدد، لأنه فعلًا كبير، بسبب الأحداث اللى بنشوفها».
إلى أقرب رف، اذهب وضع كارثة عدم قدرة الدولة على تقديم إحصاء رسمى واضح بأعداد المعتقلين فى السجون، وبعدها تعالى نناقش عدم قدرة الدولة وجهازها الأمنى على الخروج للرأى العالم بقوائم اتهامات واضحة وأدلة واضحة على الجرائم التى تم على أساسها حبس مئات الطلاب وعشرات الصحفيين احتياطيا، ثم يمكنك الانطلاق بعد ذلك لمناقشة السؤال الأهم الذى كان يرفض مبارك مناقشته حتى انتهى به الحال إلى ما هو عليه الآن: ما الذى ستستفيده الدولة من اعتقال كل هذه الأعداد؟ وما هو وجه العظمة أو الذكاء فى إصرار الدولة على عدم تنقية ومراجعة جداول المعتقلين والإفراج السريع والفورى لمن لم يثبت فى حقهم ارتكاب جرائم واضحة؟ وعلى أى أساس فكرى أو علمى أو سياسى تعتبر الدولة أن التعنت فى مواجهة دعوات الإفراج عن المعتقلين والمحبوسين احتياطيا حفاظا على هيبتها؟ ثم يبقى السؤال الأهم: ألم تلحظ عين الدولة الأمنية أو السياسية أن سياسية الاعتقال الجماعى وبالجملة، يتبعها دوما وبعد ضغوط إفراج جزئى وقطاعى لا ينتج عنه سوى المزيد من المشاكل والضجة والجدل حول السلطة مثلما حدث فى قضية عبدالله الشامى؟
«5»
هذه دعوة لدولة الرئيس عبد الفتاح السيسى، لدراسة ومذاكرة ملف قضية عبدالله الشامى ومن قبله ملف قضية علاء عبدالتفاح ودومة وماهينور وعادل ومئات الطلبة المحبوسين احتياطيا، من أجل الإجابة على السؤال الشرعى: ما الذى تربحه الدولة من هذه المعارك، ومن هذا التعنت فى التعامل مع ملف المعتقلين؟ومن هذا التوجيه الإعلامى الذى يشوه كل معتقل ويحكمه عليه قبل أن يحكم القضاء، ويتهم كل من يساند المعتقلين ويطالب بحقهم فى محاكمات سريعة وعادلة بأنهم خونة وعملاء؟
على الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن يجلس مع حكومته ويفتح صفحتين للإجابة على سؤال هذه المقارنة الذى يقول: قارن بين مكاسب وخسائر الدولة ومكاسب وخسائر عبدالله الشامى بعد الإفراج الصحى عنه؟
الرئيس يملك تقارير أكثر، سيجد من أجهزته عشرات التقارير عن ما كتبته الصحافة الأجنبية، وعن ما تمتلكه الجزيرة الآن من شهادات عن المعتقلين وما يحدث داخل السجون فى مصر يحكيها عبدالله الشامى، وعن الدعم المعنوى الذى ستضخه قضية عبدالله الشامى وحكايته لجماعة محبطة ومنهارة، وسيجد أيضا عشرات التقارير التى ستؤكد له أن عبدالله لم ولن يكون فى الفترة القادمة مجرد مراسل تليفزيونى أو صحفى بل بطل بالنسبة للبعض، ومصدر ذو ثقة بالنسبة للعديد من الوكالات والصحف الأجنبية من النوع الذى يمكنه أن يقلب مزاج الصحافة الغربية ضد مصر وقتما يشاء.
لو أرادتها الدولة المصرية مقارنة جادة، ستجد أنفسها أمام ورقة بيضاء خالية تحمل عنوان مكاسب الدولة من اعتقال الشامى ومن مثله دون أدلة واضحة، بينما ستجد أنفسها أمام ورقة مزدحمة بالنقاط والسطور تحمل عنوان مكاسب الشامى والإخوان من الاعتقال، وربما لو أراد أحدهم أن يجعل من المقارنة فعلا كوميديا لتخفيف وطأة خسائر الدولة من هذه العملية، فلن يجد ما يكتبه سوى أن عبدالله الشامى كسب رجيما وتناسقا جسديا بسبب الإضراب عن الطعام داخل السجن، لم يكن ليحلم بالحصول عليه بالمتابعة فى عيادات التخسيس أو كبرى صالات الألعاب الرياضية، بينما الدولة أو الداخلية لم تكسب سوى إثبات جديد بأنها لم تتخلص بعد من أمراض مبارك وزمنه!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد نورالدين
يا اخ دسوقي خلاص كله انكشف وبان
عدد الردود 0
بواسطة:
صبحى على
إرحمنا يارب
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية
مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
mervat
ليس مكانهم السجون
عدد الردود 0
بواسطة:
الدكتور أشرف البربرى
كالعادة أنت فى دنيا و الشعب المصرى فى دنيا أخرى !!
عدد الردود 0
بواسطة:
الدكتور أشرف البربرى
كالعادة أنت فى دنيا و الشعب المصرى فى دنيا أخرى !!
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو محمد
هوا انتو كل ماتتفضحو تكتبو في مبارك ياعيال مجيده
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد
ربنا يريحنا من 25 يناير ومجايبها
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال محمد
احمد سبع الليل
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد لطيف
السهل الممتنع
اوجزت فأنجزت كلامك مظبوط وعين العقل