تستهوينى الكتب التى تتعامل مع الموضوعات التى يتعالى عليها المفكرون باحترام، مثل كتاب ادواردو جليانو عن كرة القدم، أو كتابة أدوار سعيد عن الرقص الشرقى وتحية كاريوكا، أو كتابات خيرى شلبى عن الغناء والموسيقيين وغيرهم، لأنك أمام أشخاص يستثمرون خبراتهم فى الحياة والكتابة لتقديم نصوص عن أشياء تبدو بسيطة فى حياتنا، بعد القراءة نعيد التفكير فيها بشكل مختلف، المغربى سعد سرحان صدر له مؤخرا فى القاهرة كتاب «ديوان المائدة» الذى يتحدث فيه عن الطعام بعيدا عن كتب الصحة والوصفات، هو يعتبره مثل العقيدة للروح، والفن للوجدان، الكتاب الذى صدر عن دار العين مكتوب بلغة جميلة، تحيل تفاصيل المائدة إلى مناطق رحبة تستحق التأمل، الخبز الذى بايعته الشعوب رمزا لكل الطعام بسبب تواضعه وبساطته لا يضاهيه حضور سوى صنوه الماء، فهما معا يتبادلان الملامح مع توأم آخر: الجوع والعطش، وتمثل النار للطبخ ما تمثل الكتابة للأدب، فإذا كانت معظم النصوص الأدبية قد نضجت على نار الكتابة الهادئة، فإن النار قد كتبت منذ اكتشافها معظم النصوص الغذائية.
الكتاب الذى يعلى من شأن المطبخ المغربى، يتمتع صاحبه بخفة ظل تدفعه إلى عمل مقارنات ذكية، فهو يرى أن الطبخ والشعر بينهما قواسم مشتركة،أهمها أن للأول بحوره، منها المالح والحلو والحامض والدسم واللذيذ، ولعل التقطيع العروضى لبعض الأطباق أن يسفر عن تفعيلات من لحم وشحم كـ مستلحمن شحومن مستشحمن لحومن، القدور العميقة والمغارف الطويلة هى بعض عناصر الطبخ العمودى، أما الغليان فهو الإيقاع الخارجى الذى تحدده النار.