تحدثنا فى المقالة السابقة عن رفقاء فى طريق الحياة ممن يمتلئ قلبهم بالمحبة ويعرفون معنى العطاء والبذل؛ فهم شخصيات تُثرى حياة مَن يلاقيهم فى الطريق.
وفى طريق الحياة، نلاقى شخصيات يحملون مفاهيم خاطئة، يعيشون بها حياتهم ويحددون بها أسلوب معاملاتهم نحو من حولهم. إن تبنى هٰذه الأفكار فى طريق الحياة يتسبب فى آلام لك ولمن حولك فى أثناء المسير. تحكى إحدى السيدات عن طفلها ذى الأعوام الستة. ففى ذات يوم ارتكب خطأً، وعندما تحدثت إليه ولامته على ذاك التصرف طالبة منه ألا يكرر تلك الفعلة؛ إذا الطفل يجيبها: لا، يا أمى، سأفعل هٰذا! تعجبت الأم من طفلها، ولٰكنها حاولت أن تتحدث إليه بلطف: هذا خطأ، يا ابنى! فأجاب بإصرار ممتلئ بالعناد: أنا سأفعل هٰذا الأمر مرة أخرى؛ لقد فعلتُه وسأفعله! قررت الأم أن تمنح نفسها فرصة للتفكير والسؤال عن التصرف فى هٰذا الموقف. وتحيَّنت الأم فرصة للتحدث إلى طفلها فسألته: أتَرى أن الفعل الذى صنعتَه أمس صحيحًا؟ أجاب: أمى، أنا أعلم أن ما صنعتُه أمس خطأ! قالت: إذًا، لماذا أصررتَ على فعله وأنت تعرف أنه تصرف خطأ؟ فكانت إجابة الطفل الصادمة: لقد فعلتُ هٰذا حتى لا تصبح شخصيتى ضعيفة!! ما أرغب فى فعله، وإن كان تصرف خطأ، فسأفعله!! فكرت الأم وتساءلت: ما الذى يمكنها عمله لتصحح المفاهيم التى اختلطت فى ذهن طفلها، التى تصبح لها نتيجة واحدة فقط ألا وهى الفشل والألم. وبعد أيام قلائل، تعمدت الأم أن تصنع شيئًا خطأً أمام طفلها ليُسرع بتصحيحه لها، وتقبل منه كلماته وتصحح الخطأ، فتناقشه فى أن قوة الشخصية أو ضعفها لا يعتمد على إصرار الإنسان على رأيه، بل الأقوى هو من يُدرك الخطأ الذى ارتكبه ويصححه فى قوة وشجاعة.
إن هٰذا الفَهم لكثير من الأمور ينتشر بين السائرين فى طريق الحياة؛ حتى أمست حياتهم تعبيرًا عن مفاهيم غير صحيحة تسرق منهم راحتهم وسعادتهم، وتُشقى من يعاملهم. قد يرى البعض أن أساليب الحياة تغيرت، والعصور تبدلت، والمفاهيم تعدلت، إلا أن الإنسان ما يزال يبحث فى حياته عن هؤلاء الذين يحملون المبادئ السامية الصحيحة ويضع ثقته فيهم.
تذكر عزيزى القارئ: إن قوة الإنسان تكمُن فى قدرته على فَهم ذاته وتصرفاته، وقدرته على تصويب ما يراه خطأً فى ذاته؛ وعندئذ سيستطيع أن يغيِّر العالم بأسره. يقولون: "راقب أفكارك لأنها ستصبح كلمات. راقب كلماتك لأنها ستتحول إلى أفعال. راقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات. راقب عاداتك لأنها تكوِّن شخصيتك. راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك".
و"عن الحياة" ما زلنا نُبحر...
*الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسيّ