لماذا لا أجد تعليقًا على اختيار جابر عصفور وزيرًا للثقافة على صفحات الفيس بوك؟ لماذا سكتم؟ هل هى الحسابات الجديدة؟.. كان هذا سؤال أحد الكتاب الشباب المحترمين على صفحته، وبالطبع كان الذين رفضوا اختيار جابر عصفور قليلين قياسًا على ما جرى من قبل مع من رُشحت أسماؤهم من داخل الوزارة أو خارجها. وما أعرفه أن وزارة الثقافة شكلت مشكلة لرئيس الوزراء حين تولى الوزارة أول مرة، إذ فوجئ كلما تم ترشيح اسم ما بحوارات صحفية مع المثقفين كلها رافضة للاسم، وبيانات تصدر أيضًا، حتى أنه فى المرة السابقة بعد أن ترشح للوزارة أكثر من شخص، وقابل أكثر من شخص، أبقى الأمور على ما هى عليه، وظل الدكتور صابر عرب وزيرًا للثقافة. هذه المرة الأمر اختلف، لم تكن مساحة الاعتراضات كثيرة، وربما لا تذكر، ويدخل بعضها فى باب السخرية اللطيفة، مثل من كتب «فى هذه الأيام العصيبة التى تمر بها البلاد توفى سعد هجرس وسعد زهران، وتوفيت فتحية العسال، وتوفى وجدى الحكيم، وتولى جابر عصفور وزارة الثقافة»، أو من كتب «بينى وبينك سور ورا سور، وأنا لا جابر ولا عصفور»، مهدئًا المحبطين ممن تمنوا الموقع، ربما، أو من أشار إلى أن الرجل كان قد قبل الوزارة فى حياة مبارك والناس تموت فى الميادين خلال ثورة يناير 2011، وتركها بعد أسبوع بعدما لحقت به إهانة من أنس الفقى. أذكر فى ذلك الوقت أن قامت حملة كبيرة على جابر عصفور، وتقريبًا كنت أنا الوحيد الذى لم أتطاول عليه، إذ قلت «لقد قبل الرجل الوزارة وبقى فيها أسبوعًا وخرج، فلا داعى للقسوة، حيث إنه مريض أيضًا، ولا يزال يتعافى من الجلطة التى أصابته ومن الفقد الذى أصاب أسرته»، لقد شتمه ذلك الوقت كل أصدقائه الكبار الذين كان تقريبًا يدير المجلس الأعلى للثقافة بلقاءات خاصة بهم، رغم أن هناك لجانًا تنعقد لذلك، ناهيك عن الشباب وشتائمهم. طبعًا لقد كانوا فى الميدان- أقصد الشباب- وكانت أيام ثورة، فاكرينها؟.. لم أهاجمه أيضًا لأننى لا أستطيع أن أفرق بسهولة بين القيمة الفكرية لأى شخص، وما يرتكبه من أخطاء، وإذا تكلمت أحب أن أتكلم عن الأخطاء، وليس عن الشخص.. تظل القيمة الفكرية حاجزًا بينى وبين الحط من شأن أى أحد، بل وأكره مسح تاريخ أى شخص حتى لو فعل هو ما يؤدى إلى ذلك، والله أعلم بما وراء الأخطاء من ضعف إنسانى فى كثير من الأحيان، لكن كان طبيعيًا أن يدق تليفونى طول النهار يسألنى الصحفيون الشباب عن رأيى فى اختيار جابر عصفور، كانت أسئلتهم متعددة وكانت إجاباتى واحدة، فمن أسئلتهم طبعًا السؤال العام: ما رأيك فى اختيار جابر عصفور وهو من رجال النظام القديم؟، وأن جابر عصفور معروف أن له شلته من الصحفيين وغيرهم ممن كانت لهم مواقع استشارية وتدفع لهم الرواتب الكبيرة من ميزانية الوزارة، فهل ستراه يعيد ذلك مرة أخرى وكان قد انتهى بعد ثورة يناير؟، قلت إننى مشغول بماتش ألمانيا مع البرتغال كلمنى بعد الماتش.. ومرة أخرى: ما رأيك فى أن جابر عصفور استغل منصبه ومؤتمراته فى المجلس الأعلى للثقافة، وصار تقريبًا عراب الثقافة العربية فى مصر، فصار مستشارًا لكل الجوائز العربية، كاتبًا فى كل الصحف العربية، بل وصل الأمر وهو فى المجلس إلى أنه لا مؤسسة عربية تدعو مصريًا إلا بعد أن تعرض الأمر على جابر عصفور أولًا، وهو من ناحيته صار يصدر للعالم العربى أصدقاءه أو مريديه؟، وكان الماتش قد انتهى فأجبت: لقد حزنت جدًا على هزيمة البرتغال القاسية من ألمانيا بأربعة أهداف لصفر.. طيب ما رأيك فى أن الثورة التى قمتم بها ضد الوزير الإخوانى انتهت فى النهاية إلى جابر عصفور؟، وكانت إجابتى: كيف حقًا لم يستطع رونالدو إحراز ولو هدف واحد فى شباك ألمانيا.. طيب ما رأيك فى أن لجنة اختيار المرشحين لجائزة النيل التى انتهت إلى اختيار شخصين أرادوا أن تعيد عملها ليوضع جابر عصفور من بين المرشحين.. ولأنى كنت واحدًا من اللجنة، كدت أجيب، ثم قررت أن أحكى الحكاية هنا وليس فى صحيفة أخرى، والحقيقة هى أن اللجنة انتهت بالدرجات السرية التى لم يعرف فيها أحد ما فعل الآخر إلى أن أعلى الدرجات هم الدكتور صلاح فضل، وفاروق شوشة، وصبرى موسى، وإدوار الخراط، وجاء جابر عصفور بعدهم جميعًا. أما مسألة إعادة الدرجات، فلقد سألت سعيد توفيق، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، فى التليفون: هل حقًا ما يقال من ضرورة الإعادة لوضع جابر عصفور فى القائمة، فقال لى لا، وهذا كله كلام صحافة، لكن لقد خالفت اللجنة القواعد، وكان مفروضًا وفقًا للقواعد- على حد قوله- أن يعطى الروائيون درجاتهم للروائيين، والشعراء للشعراء، والنقاد للنقاد، فسألته: لماذا لم يقل رئيس اللجنة ذلك وهو لا بد يعرف؟ فقال: لقد أخطأ، ثم فوجئت بأن من رشحتهم اللجنة عرفت أسماءهم فى الصحف، لذلك ذكرتهم هنا الآن، والأمر أصلا سرى بل أكثر من ذلك، سمعت أن أوراقنا السرية تسربت للصحافة من المجلس، من الذى فعل ذلك، عضو فى اللجنة أم المجلس؟ الله أعلم، لهذا لم أحضر الاجتماع ابتعادًا عن الشبهات، اعتبرت نفسى خارج اللجنة المكشوف عملها.. طبعًا لم أخبر الصحفيين بذلك كما قلت، وقلت لنفسى أنا جدير بقوله هنا حتى أجد شيئًا أكتبه وسط هذا العك الذى نعيشه.. طيب بماذا أجبت الصحفى الذى سألنى عن هذا الأمر؟، سألته بدورى: كيف حقًا كان الحكم فى مبارة البرتغال وألمانيا غير محايد، بل كان تقريبًا مواليًا لألمانيا؟، ضحك الصحفى وقال واضح إنك لا تريد التعليق على المسألة، إذن قل لنا ماذا تطلب من وزير الثقافة الآن؟ قلت: أطلب منه على وجه السرعة أن يشكل وفدًا من الشعراء والأدباء للسفر إلى البرازيل يتابعون الأدوار الباقية من كأس العالم، ويكتبون عنها، فالعلاقة بين الكرة والثقافة كبيرة، فالفائز دائمًا هو من يجيد التقسيم على الآخر! وكما أن الكرة تكون فى رجلك وتقسم لغيرك، كما قال المرحوم محمد لطيف فى تعليقاته الخالدة، كذلك الثقافة فى مصر.. أقول هذا لمن كانوا ينتظرون الوزارة طبعًا، ثم يا جماعة الخير تعرفون رأيى أنه لن تكون هناك ثقافة حقيقية فى مصر إلا إذا انتهت وزارة الثقافة، وتحولت إلى وزارة دولة لا تنتج الثقافة، لكن تقوم بتشجيع المجتمع المدنى الذى هو الآن المنتج الحقيقى للثقافة، وإلا إذا عرفت وزارة التربية والتعليم قيمة الثقافة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة