عندما أعلن الرئيس عن تنازله عن نصف راتبه، ونصف ثروته للدولة، فهو يعنى أننا نواجه أزمة اقتصادية طاحنة، تحتاج لإجراءات تقشف وضغط وخفض إنفاق. وكان حديث الرئيس واضحًا بأننا لا نريد العيش على معونات، بل نعتمد على أنفسنا، وأن تعود عجلة الاقتصاد للدوران.. الموازنة بهذا العجز الضخم، والديون الخارجية والداخلية تشير إلى أننا بصدد مشكلة كبيرة.
من جهة الحكومة، فإنها سوف تعيد النظر فى الموازنة، وتخصم كل ما هو غير ضرورى، وأن تستغنى الحكومة عن سيارة من كل سيارتين، وأن تتخلص من مئات المستشارين الذين لا يقدمون أى دور، ويستهلكون الجزء الأكبر من الموازنة. تضاف إلى ذلك إجراءات تتعلق بدعم الوقود، ودعم السلع، بحيث يبقى الدعم لمستحقيه، ويرفع عن كل هؤلاء الذين يحصلون عليه بلا داع. وهى إجراءات تثير الخوف من أن يكون الفقراء هم من يدفعون فاتورة رفع الدعم، أو ثمن إجراءات اقتصادية واجتماعية، بينما المطلوب هو تصحيح الميزان المختل، وأن يحصل الفقراء والموظفون والعمال على الحد الأدنى وزيادة، وأن يتم تأمينهم اجتماعيًا وصحيًا، حتى يمكنهم أن يؤدوا دورهم.
وقد رأينا عددًا من رجال ألأعمال والقادرين يعلنون تبرعهم برواتب أو أملاك لصالح الدولة، تيمنًا بدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى سبقهم لفعل ذلك بادئًا بنفسه، وهو أمر طيب من رجال الأعمال، ينتظر المواطنون أن يروا نتيجته، وألا يكون مثل حالات سابقة موسميًا، حيث يفترض أن يكون هناك بعد فترة إعلان عن حجم ما توفر فى الحساب المفتوح، ومجالات إنفاق ما يتم جمعه فى الحساب، على أن يلتزم من أعلنوا من رجال الأعمال والفنانين والإعلاميين بوعودهم، مع وجود رهان بأن الأمر هذه المرة أكثر جدية.
أيضًا يفترض أن يكمل رجال الأعمال طريقهم، وأن يكونوا مستعدين لسداد حقوق الدولة، والاستجابة لقوانين وتشريعات يتوقع أن ترفع الضرائب، وتعيد توزيع الأعباء الاجتماعية والاقتصادية، وأن يستعد المجتمع لإجراءات مؤلمة يفترض أن تقع على القادرين، وألا تضيف أعباء على الفقراء ممن ضجوا خلال العقود والسنوات الماضية من الفقر والحاجة.
ربما علينا أن نعلم أن ترجمة أهداف الثورة فى العيش والحرية والعدالة، يأتى من إجراءات وتطبيقات تعدل الميزان المختل، وتبدأ من الحكومة والجهاز الإدارى، وتمتد إلى غيره من المساحات المغلقة التى تحتاج إلى مواجهة واضحة لفتحها.