عندما جاءت سيرة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام قمة الاتحاد الأفريقى الأخيرة فى غينيا الاستوائية تذكيرًا بالآباء المؤسسين للمنظمة الأفريقية فى عام 64، ضجت القاعة بالتصفيق من الزعماء الأفارقة فى القمة
تقديرًا واحترامًا وعرفانًا بدور مصر القيادى والريادى فى أفريقيا.
وكنت أتمنى على الرئيس السيسى أن يتوقف عند هذه الجملة قليلاً، ثم يعيد قراءتها مرة أخرى لاستلهام روح تلك اللحظة الزمنية فى تاريخ مصر، والتأكيد عليها أمام القمة الأفريقية التى كانت لديها جرأة تجميد عضوية الدولة المؤسسة للاتحاد الأفريقى لمدة عام تقريبًا
والدولة التى ساندت ودعمت حركات التحرر فى العديد من دول أفريقيا ضد جميع أشكال الاستعمار والقهر والعبودية.. وقف الرئيس السيسى أمام القمة ووراءه تاريخ مجيد فى علاقة مصر بقارتها السمراء فى فترات المجد الستينى، ويقينى أنه- أى الرئيس وهو القارئ الجيد للتاريخ- يعرفها ويدركها جيدًا، وينطلق منها فى ترميم وبناء العلاقات الجديدة مع أفريقيا.
حضور الرئيس للقمة هو المرة الأولى لرئيس مصرى منذ 20 عامًا بعد حادثة محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا، والتى كانت إيذانًا بإغلاق باب العلاقات مع أفريقيا كعقاب جماعى انتقامًا للحادث، وهو القرار الذى تحملت مصر طوال السنوات الماضية تداعياته ونتائجه الخطيرة فى تهديد أمنها المائى، والسماح لأطراف دولية وإقليمية بملء الفراغ السياسى والاقتصادى الذى أحدثه الانسحاب المصرى.. نتائج حضور الرئيس عبدالفتاح السيسى القمة الأفريقية فى المقدمة منها الاعتراف الأفريقى الكامل بثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو
والاعتراف بأن أفريقيا لا يمكنها الابتعاد عن مصر، وأن مصر لا يمكنها الاستغناء عن أفريقيا، فمصر مثلما هى قلب العروبة، هى قاعدة أفريقيا التى تهتز بالانفصال عنها..
الترحيب الكبير بعودة مصر إلى الحضن الأفريقى كان عميقًا فى دلالاته، والأهم هو اللقاء المنتظر بين الرئيس السيسى ورئيس وزراء إثيوبيا هيلى ماريام ديسالين، والخروج ببيان «المبادئ السبعة» لتأسيس مرحلة جديدة فى العلاقات بين مصر وإثيوبيا
الرئيس السيسى بعد حضور القمة الأفريقية بات أكثر اقتناعًا بأن أفريقيا هى العمق الاستراتيجى الحقيقى لمصر الذى لا يجب الابتعاد عنه مطلقًا بعد الآن، ولا يؤثر فيه حادث عارض أو توتر مع دولة ما، فالحضور المصرى القادم عليه أن يزيل سريعًا آثار سنوات الجفاء والانقطاع عن القارة السمراء، وعودة مصر عبدالناصر إلى أفريقيا بآليات جديدة وفكر متطور.