فى تبرير التحالفات الانتخابية التى ينشط البعض من أجل إنجازها، يحذر القائمون عليها من احتمالات عودة «الإخوان» إلى البرلمان، ويتحدثون عن أن كثرة التحالفات تعطى الفرصة للجماعة لاقتناص مقاعد فى الانتخابات المقبلة، وإمعانا فى إعطاء وجاهة لكلامهم، يتحدثون عن أنهم سيخوضون الانتخابات دون الإفصاح عن هويتهم على قوائم أحزاب قريبة منهم.
ويحتاج هذا الكلام إلى مراجعة وتدقيق، لأنه لا يخلو من سوء النية، ويستخدم «بعض أطرافه الإخوان» كفزاعة فى الظاهر، أما الباطن فيحمل رهانات لولادة برلمان بـ«التفصيل».
فى واقع الأمر فإن الأحزاب التى تتحدث كل صباح ومساء عن خشيتها من منافسة إخوانية فى الانتخابات، هى أحزاب لا تستحق الوجود من الأساس، لأنها تؤكد عجزها عن التواجد فى الشارع، وعجزها عن ضخ مرشحين حقيقيين يستطيعون إنزال الهزيمة بمنافسيهم الإخوان بإرادة الناخبين، هى أحزاب تريد أن ترتكن على مساندة حكومية من نوع ما، كتلك التى كانت تحدث أيام مبارك.
ولعل حديث بعض قادة هذه التحالفات عن أن هدفها هو مساندة السيسى يعطى رسالة عن رهانات منها على السيسى بتأييده لها، وهو ما فطن إليه فأشار من قبل بشكل قاطع إلى أنه ليس لديه فواتير يسددها لأحد، كما أن نتيجة الانتخابات الرئاسية لم تكن تحمل أى دلالات على قوة حزبية معينة ساهمت فى إقناع المصريين بانتخابه، فالرجل كان إنجازه متخطيا الحالة الحزبية، وقافزا لكل الحواجز إلى المصريين فأعطوه أصواتهم باقتناع كامل.
مطلوب أن نستيقظ لكل المحاولات الخبيثة التى قد تلجأ إليها جماعة الإخوان فى الترشيح للبرلمان، لكن ليس معنى ذلك أن نستدعى أحاديث عن قوتها بنفس معايير ما قبل 30 يونيو، فواقع الحال يؤكد أنها لم تعد كما كانت حتى لو ظلت تستخدم خططها السرية المعروفة، والشاهد على ذلك ضعفها الشديد الذى يظهر فى الدعوات التى تطلقها للتظاهر، فهى الآن تسير على قاعدة إثبات الوجود ولو كان ذلك بخروج متظاهر واحد لها.
ومع استمرار ضعف «الجماعة» على هذا النحو، فبالتأكيد هى لن تقوى على الدفع بمرشحين لها فى الانتخابات المقبلة، لأسباب كثيرة منها ما هو أمنى، ومنها ما هو خاص بحالتها الداخلية، فلم يعد لديها الآن كوادر انتخابية مؤثرة، كما أن طاقة إنفاقها المالى الجبار لم تعد موجودة، والأهم أن البنية التحتية لها من مؤسسات وجمعيات ومساجد ومشروعات أصبحت كلها إما تحت سيطرة الدولة، وإما أنها لم يعد وجود لها، بالإضافة إلى ذلك فإن المزاج العام للمصريين الآن لم يعد يقبل الخطاب السياسى المغلف بأبعاد دينية
كما كان من قبل، حيث اكتشف المصريون خبثه ومراميه السيئة، وأنه لم يأت لهم إلا بالضرر، وبالتالى فإن الجماعة ومرشحيها لم يعد لديهم أسلحة وأدوات كتلك التى كانت تعين على النجاح فى المرحلة الماضية.
يقودنا كل ذلك إلى التأكيد على أن إبقاء بعض التحالفات على «فزاعة» الإخوان، إما أنه يعبر عن جهل بقراءة الواقع وفلس فى الوصول إلى الناس، وإما أنه يخفى نوايا أخرى من قبيل إتاحة المجال لنفس الوجوه الانتخابية التى ساندت نظام مبارك ووقفت وراءه، فسهل لها التواجد فى البرلمان فأورثونا استبدادا وفسادا.