واجتاز الشعب المصرى الانتخابات الرئاسية بنجاح كعادته، بالرغم من حملات التخوين والترويع والتفزيع والترهيب التى كان يريد أصحابها عدم إتمام هذه الانتخابات، بل هم مازالوا يتمنون إسقاط الدولة وليس النظام، حيث إن الدولة والوطن لا يساوى لديهم شيئًا غير الوصول للسلطة والاستحواذ عليها لصالح الجماعة، وبعيدا عن الدخول فى قضايا تغييب العقل وإسقاط الواقع والسباحة فى عالم الخيال والأوهام باسترداد الشرعية، نقول بكل المقاييس، حسب المعطيات السياسية المحيطة بالواقع، وقياسا لنسب المشاركة الانتخابية فى أعتى الديمقراطيات فإن نسبة المشاركة فى انتخابات الرئاسة والأصوات التى حصل عليها السيسى كرئيس قادم لمصر وعلى ضوء نزاهة هذه الانتخابات التى شهدها كثير من المنظمات العالمية فإن المصريين الذين أسقطوا الإخوان فى 30 يونيو بالطريق الديمقراطى المباشر هم الآن يعلنون إرادتهم مرة أخرى ويختارون رئيسا بالصندوق وبزيادة عشرة ملايين صوت أكثر من مرسى، الشىء الذى يجعلنا نغلق تلك الصفحة وننهى هذه المتاهة، وننظر للأمام وللأهم، وهى الانتخابات البرلمانية التى تمثل المرحلة الأخيرة من استكمال خارطة المستقبل، وأهمية هذه الانتخابات تكمن فى المتغيرات الأساسية التى أقرها دستور 2014 فى صلاحيات رئيس الجمهورية، حيث إن السلطة ستكون بالتشاركية بين الرئيس ورئيس الوزراء الذى سيأتى من الأغلبية البرلمانية، الشىء الذى يفرض «هارمونى» وتوافقا بين الرئيس والبرلمان مع عدم وجود حزب تابع للرئيس وعلى ضوء ضعف الحياة الحزبية بشكل عام لغيابها عن الجماهير وافتقادها للكوادر، والأهم هو عدم صدور تشريعات مكملة للدستور وعلى رأسها تشريع يحرم عدم قيام أحزاب على أساس دينى، فهل ستتم الانتخابات البرلمانية فى وجود تلك الأحزاب ومن أمثلتها وعلى رأسها حزب النور؟ وهل سنكرر الأحداث عندما تحالف النور، والإخوان لأسباب مصلحية، ويتصور النور الآن أن إعلان مساندته للسيسى التى لم نر لها وجودا فعليا على أرض الواقع كعادتهم ستخوّل له خوض الانتخابات قبل تعديل أوضاعه دستوريا وقانونياً؟ مع العلم بأن مشروع قانون الانتخابات البرلمانية الذى يقر %80 فردى، و%20 قوائم مطلقة تشترط وجود ثلاثة مسيحيين وثلاث نساء واثنين عمال وفلاحين، واثنين شباب ومثلهم مصريون بالخارج وذوى الاحتياجات الخاصة، قد رُفض من حزب النور ليس اعتراضا على نسبة الفردى والقائمة مثلما هو معلن من الأحزاب، ولكن رُفض من النور اعتراضا على وجود ثلاثة مسيحيين بكل قائمة الشىء الذى سيجعل هذا مستحيلا للنور تحقيقه، ولذلك وجدنا النور يقترح بكل بجاحة تخصيص قائمة منفردة للأقباط حتى يخرج هو من هذا المأزق، وبالطبع لن يتقدم النور بالترشح فى قائمة الأقباط هذه، فهل بعد ذلك هناك شك فى خلط الدينى بالسياسى لدى حزب النور وأمثاله؟ وبصراحة فإن هذه الإشكالية قد خلقتها وأوجدتها لجنة الخمسين للدستور التى أرادت ترضية الجميع، فحولت الأحزاب إلى شبه كوتة، الشىء الذى جعل واضعى قانون الانتخابات البرلمانية يحتاسون فى وضع القانون، فنحن ضد الكوتة وأى شبيه لها، حيث إن هذا يمثل تهديدا حقيقيا لسلامة الوطن، ويكرس ويؤسس لنظام قسمة بين أبنائه وفئاته، لا يجب أن تكون، ولذا وجدنا النور يقترح قائمة خاصة للمسيحيين فهل هناك قسمة وطائفية أكثر من ذلك؟ وهنا يجب أولاً وبسرعة تكوين تحالفات حزبية تختصر هذا العدد الهلامى للأحزاب حتى يمكن أن تنزل هذه التحالفات مجتمعة، ويمكنها أن توجد جماهيريا وانتخابيا، وهذا يفرض أن تكون هذه الانتخابات وهذه المرة «فردى» حتى تخرج من المأزق، وأن يتم تمثيل الفئات عن طريق التعيين الذى وصل إلى ثلاثين مقعداً، وحتى تظل مصر لكل المصريين.