كما تعرف، فحين يهل الخامس من يونيو من كل عام، تبدأ فرقة الشامتين فى تجربة عبد الناصر عزف «سيمفونية» النواح السنوية، وهم يؤكدون أن مصر انهارت مع الهزيمة، وأن عبد الناصر زعيم كذوب، وأن لا أحد قادر على مواجهة إسرائيل وظهيرها الدائم أمريكا، ناسين أن أى دولة تدخل فى حروب ومعارك مع جيرانها أو أعدائها، فتنتصر مرة وتخسر مرة، وأن هزيمة الجيش فى 1967 لم تؤثر على انكسار الإرادة المصرية، فسرعان ما أعيد بناء الجيش على أسس عصرية حديثة، تحت قيادة الفريق أول محمد فوزى، وسرعان ما هب الشعب منتفضا يدعم قواته المسلحة ويعززها فى حرب الاستنزاف، حتى توجّت تضحياته بنصر أكتوبر المجيد.
كل هذا حدث، ومع ذلك لا يمل أعداء مصر من التلسين والتلقيح بأن الهزيمة كانت نكراء، وأن المصريين دُحروا «عدد شهداء 67 لا يتجاوز 25 ألف جندى»، وينسى هؤلاء كيف واجه المصريون الخسارة فى المعركة وعبور الهزيمة إلى شاطئ النصر المؤزر.
لماذا فى رأيك يصر هؤلاء على كسر همة المصريين؟.. ولماذا يعيدون ويزيدون فى الهزيمة، ولا يلتفتون إلى النصر الذى أعقب الهزيمة؟!
الأمر – كما أظن – مرهون بإعادة قراءة التاريخ، ولأن المساحة محدودة، فدعنى أذكرك سريعًا ببعض النقاط المهمة.. طوال التاريخ ومصر بلد مستهدف من قبل القوى الكبرى المسيطرة فى العالم لموقعها الجغرافى المدهش، ولما بها من خيرات بلا حساب «الرومان/ اليونان/ الفرس/ العرب/ العثمانيين/ الفرنسيين/ الإنجليز/ الأمريكان»، وفى القرنين الآخرين حاول محمد على أن يجعل من مصر دولة عصرية قوية، فلم تتركه القوى الكبرى ودمرت أسطوله، وحاول الخديو إسماعيل فكبلوه بالديون وعزلوه، وحاول عبد الناصر فانقضوا على جيشنا وهزموه، لكنهم لم ينجحوا فى تحطيم إرادة المصريين.
لكن حين استلم السادات السلطة، تغيرت أمور كثيرة، إذ تحالف مع «الأمريكان/ بعض الدول العربية المناوئة لتجربة عبد الناصر/ جماعة الإخوان»، هذه القوى الثلاث هى التى تلح على الهزيمة حتى لا يفكر المصريون فى النهوض مرة أخرى، وقد نجحوا حتى الآن.. لكن إلى متى؟