من عجائب القدر، أن المصريين ظلوا خاضعين للحكم الأجنبى طوال ألفى سنة، حيث تولى السلطة دومًا رجل غير مصرى جاء من اليونان أو الرومان أو بلاد فارس أو من شبه الجزيرة أو من تركيا أو فرنسا أو من إنجلترا أو من ألبانيا، وكان هذا الحاكم غالبًا ما يمتلك قدرة مهولة على ظلم الناس ونهبهم بمعاونة شركائه فى الحكم، وهم أجانب أيضًا.
هكذا إذن لم ينعم المصريون بحاكم من بنى وطنهم إلا منذ 62 عامًا فقط، أى منذ اندلاع ثورة 23 يولية 1952، لكن إرث الحكم الأجنبى البائس ترك أثره السلبى على الحكام المصريين الذين تعاقبوا على السلطة بعد 1952، وعلى الشعب نفسه، حتى أضحت العلاقة بين الحاكم المصرى والشعب المصرى أسيرة تاريخ بغيض من الكراهية وسوء الفهم. فنحن الشعب الوحيد الذى يرتعب من ضابط الشرطة، ونحن الشعب الوحيد الذى يخشى الحكومة باعتبارها رمز القهر والتجبر، ونحن الشعب الوحيد الذى يتفنن فى نفاق الحاكم اتقاء لسيفه أو طمعًا فى ذهبه.
لم يسلم حاكم مصرى من الرؤساء الستة الذين استلموا المنصب الرفيع من بغض الغالبية وانزعاجها من قراراته وفساد عصره إلا جمال عبد الناصر، فإذا استثنينا محمد نجيب وعدلى منصور بوصفهما حكما فترة قصيرة، فإن السادات ومبارك ومرسى حصدوا الكثير من الكراهية، فالأول ثار ضده الشعب فى 1972، و1977، فلما اشتط فى حكمه، وظن أنه الفرعون الأخير اعتقل أنبل الرجال المصريين فى سبتمبر 1981، فاغتالته يد الجماعات المتطرفة التى رعاها وحماها فى البداية. والثانى انتفض الشعب كله ضده بعد أن زكمت روائح فساد أسرته ونظامه أنوف الملايين وبعد أن كاد يورث مصر العظيمة لابنه، والثالث ثار ضده الملايين بعد أن أتى بحفنة من الجهلة المتخلفين ليعيدوا مصر إلى العصور الوسطى!
أما عبد الناصر، فقد حظى بمحبة الغالبية العظمى من الشعب واحترامها لأنه حاول أن يحقق قدرًا من العدالة الاجتماعية وينهض بمصر. والآن كيف سيتعامل الرئيس عبد الفتاح السيسى مع مصر والمصريين؟ دع الأيام والأسابيع القليلة المقبلة تكشف لنا الطريقة والأسلوب!