باقى من الزمن ثلاثة أيام، ويبدأ ماراثون دراما الكآبة التى تعرف بالثانوية العامة.. ثورتان و3 رؤساء والكابوس على عرشه، جيل بعد جيل يسلم خلاصة الهم والحفظ والصم والدروس والتحفيظ والتلقين ومجموع لا يقاس به مقدرة أو ذكاء، لكنه يحدد مصير الطالب، وربما أسرته أيضًا.. الثانوية العامة تأكيد الفشل الذريع والمتواصل بنجاح ساحق بنظام التعليم فى مصر، حيث لا تعليم، إنه تعذيب يمنح شهادات بلا علم، ولكن تبقى فقط الإجابات النموذجية التى تؤخر وتعمق فكرة الحفظ دون فهم، ودون نقد، ودون معرفة.. تمر السنوات ويكثر الخبراء، وتطرح الخطط، وتأتى وزارات وتذهب كما جاءت، ولكن هناك نزيفًا فى وعى الأجيال الجديدة، ونزيفًا لجيوب الآباء، فالتعليم غال ولكن بلا نتيجة، فالثانوية العامة ليست تعليمًا عقيمًا أو حرقه دم وتأجيل للحياة فقط، ولكنها كارثة اقتصادية تتفاقم مع الدروس الخصوصية التى تكبد الاقتصاد المصرى 15 مليار جنيه سنويا، وتخصص الأسر المصرية أكثر من %30 من دخلها للإنفاق عليها، وتضطر بسببها إلى تخفيض الإنفاق على كل أوجه الحياة الأخرى، %70 من طلاب مصر يتلقون دروسًا خصوصية، أما الذهاب إلى المدرسة فيبقى مجرد عادة يومية بلا فائدة. مجموع الثانوية العامة يسبب كوارث أخرى، فالبعض يحصل على المجموع الأعلى ويذهب إلى كليات الطب والهندسة، ونصف درجة تغير مصير أسرة كاملة، وعامل الدرجات يتسبب فى كوارث للآخرين، فكم من أطباء ومهندسين يمتلكون شهادة فقط لأنهم لم يجدوا معرفة أو تدريبًا، وبالتالى فأرواح الناس مهددة بسبب اللاتعليم واللاتدريب واللامنهج واللاطريقة، فالحفظ لا يعنى التفوق، والمجموع الأعلى ليس مقياسًا للذكاء، وتصريحات المسؤولين فى وزارة التربية والتعليم الدائمة أن الامتحان لا يخرج من كتاب الوزارة، وأنه فى مستوى الطالب المتوسط، دون أن يدركوا أن كتب الوزارة جاذبة للتخلف، وأن مستوى الطالب وإن كان امتيازًا فهو فى ظل هذه المنظومة ضعيف أو ضعيف جدًا، ومشهد البكاء والشكاوى من صعوبة الامتحان مشهد ثابت لا يتغير، والمأساة مستمرة والكابوس لا ينتهى ولا تنكشف الغمة، ولا بارقة أمل فى ثورة تعليم تنسف كل القديم، فكلمة تطوير لم تعد مناسبة، فلابد من إعادة البناء من جديد، بداية من رياض الأطفال إلى الثانوية العامة، وإسدال الستار عن فكرة الحفظ والمجموع، ومكتب التنسيق الذى لا يعترف إلا بالدرجات، ويعصف بالأحلام، لأن هناك نقصًا فى «ربع» درجة يذهب به إلى حيث وهم القمة، أو يجلب الكوارث لأنه لا يعترف بالمواهب أو الإمكانيات إنما فقط بالأرقام.. نتمنى أن يختفى شعار طلاب الثانوية «يا صم يا صم يا ثانوية يا كاتمة على الأعصاب والدم» وليتها حرقة أعصاب ودم، لكنه مجتمع ومصيره.
فالعلم والوعى أسلحة البناء الشامل، إذا بقى التعليم على حاله فسوف نبقى فى تصنيف أقل من العالم الثالث.