كلنا مدينون لمصر بالكثير، وكلنا مطالبون بتقديم جميع ما فى وسعنا من أجل المساهمة فى اجتياز هذه المرحلة الحرجة التى تمر بها مصر الآن، فنحن لدينا رجال أعمال شرفاء ليسوا فى حاجة إلى من يذكرهم بأن ما حققوه من ثروات إنما هو من خير مصر التى تربوا على أرضها وشربوا من نيلها وحصلوا على الكثير والكثير من الخدمات التى توفرها الدولة فى جميع المجالات، هؤلاء الذين أتحدث عنهم تقع على عاتقهم مهمة فى غاية الخطورة خلال المرحلة المقبلة التى نحن مقدمون عليها مع تولى المشير السيسى رئاسة جمهورية مصر العربية، تلك المهمة تتمثل فى الإسهام بشكل فعال فى المشروعات التنموية وفى خدمة المجتمع بالشكل الذى يتناسب مع قدرات وإمكانات كل منهم.
فإن أى نهضة حقيقة تقوم فى الأساس على وجود رجال أعمال مغامرون يضعون مصلحة الوطن فوق مصالحهم الشخصية ويكرسون كل طاقاتهم وإمكاناتهم المادية من أجل توفير فرص عمل جديدة، ليس هذا وحسب بل يقع على عاتق رجال الأعمال فى هذه الفترة الدقيقة دور آخر أراه فى غاية الأهمية أيضا يتمثل فى المساهمة بفاعلية فى النهوض بالعمل الخيرى والإنسانى الذى بكل تأكيد من شأنه تحقيق العدالة الاجتماعية التى هى أساسا تأتى فى مقدمة المطالب التى يضعها الشعب أمام الرئيس السيسى، ففى ظل التحولات التى شهدها المجتمع خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة والاتجاه نحو آفاق أوسع فى سوق العمل أصبح ضروريًا قيام رجال الأعمال بدور اجتماعى خيرى موازٍ لدورهم الاقتصادى وهذا لن يتأتى إلا من واقع المسؤولية الاجتماعية التى يشعر بها رجال الأعمال تجاه الوطن، وهو أمر ليس جديدا على رجال الأعمال الوطنيين، فمصر وعلى مدى تاريخها الطويل شهدت الكثير والكثير من الإنجازات الكبرى التى تحققت من خلال الأعمال الخيرية والتطوعية فها هى جامعة القاهرة هذا الصرح الشامخ خير دليل على صدق ما أقول حيث إنها أنشئت بأعمال تطوعية خيرية ثم تحولت فيما بعد إلى أهم جامعة فى المنطقة العربية، كما أنه لا يستطيع أحد أن ينكر قيام رجال الأعمال بدور أساسى ومحورى فى المجتمع المصرى على المستوى الاقتصادى والاجتماعى والسياسى الحديث والمعاصر حيث نجد الكثير من رجال المال والأعمال من أمثال رائد الاقتصاد المصرى طلعت حرب كان لهم وزنهم وثقلهم السياسى والاقتصادى أيضا حيث أثروا الحياة الاقتصادية بالعديد من المشروعات الناجحة والتى يأتى فى مقدمتها على الإطلاق «بنك مصر» الذى يمثل بداية انطلاقة مصر الاقتصادية قبل ثورة 23 يوليو المجيدة نظرا لما ترتب عنه بعد ذلك من تنمية اجتماعية كانت وما تزال ملموسة بشكل واضح فى كل نواحى الحياة بالمجتمع المصرى، والحق يقال فإن سجل تاريخ رجال الأعمال الوطنيين ملىء بالنماذج المشرفة من رجال الأعمال الذين آمنوا بقضية وطنهم فقدموا أعظم المشروعات الاقتصادية التى تحولت مع مرور الزمن إلى جزء لا يتجزأ من البنية الأساسية لمصر الحديثة، وبالتالى أصبحت المسؤولية الاجتماعية التطوعية مشتركة بين رجال الأعمال الوطنيين وبين الدولة، وأصبح الوفاء بمتطلباتها يقتضى تآزر كل الجهود وتكاملها لتطوير سياسات النهوض بالمجتمع أو للمشاركة بالجهود التطوعية المختلفة لمواجهة أى حادث طارئ. وما أن تحدثت عن ضرورة القيام بدعم اقتصاد مصر حتى تذكرت على الفور تلك الروح الطيبة وشديدة الأهمية التى أظهرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تجاه مصر وشعب مصر التى ظهرت بوضوح فى دعوته لعقد «مؤتمر المانحين لدعم مصر» عقب الإعلان الرسمى بفوز المشير السيسى برئاسة مصر وحرصه بل وإصراره على المساهمة فى النهوض باقتصاد مصر خلال هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها الآن وذلك استمرارا لمواقفه المحترمة التى تجلت فى أروع صورها من قبل فى أعقاب قيام ثورة 30 يونيو حيث كانت المملكة العربية السعودية فى مقدمة الدول الشقيقة التى ساندت ثورتنا الشعبية محليا وإقليميا ودوليا، وها هو الملك عبدالله يؤكد مجددا على أن من لم يقف إلى جوار مصر الآن فلن يكون له مكان بيننا فيما بعد، وعلى الرغم من أن هذا الأمر ليس جديدا على دول شقيقة فى حجم ومكانة السعودية وأيضا دولة الإمارات وبقية الدول العربية الشقيقة المساندة لنا إلا أننى أرى أن هذا الأمر ينبغى أن يقوم به ويكون فى طليعته رجال الأعمال المصريين لأنه فى حقيقة الأمر هو واجب وطنى تفرضه عليهم الظروف الاقتصادية والواقع المرير الذى نعيشه الآن.
وإحقاقا للحق فنحن بالفعل لدينا رجال أعمال يعيشون بيننا الآن كانوا وما زالوا يقومون بواجبهم تجاه الوطن من منطلق إحساسهم بأن مصر فى حاجة إلى العمل المخلص والجاد، ومن منطلق إيمانهم بأن هذا ليس تفضلا منهم بل هو نوع من رد الجميل للبلد الذى منحهم الكثير والكثير، وتكمن أهمية العمل التطوعى هنا فى أن العلاقة بين المجتمع وجماعات رجال الأعمال هى علاقة متداخلة تؤثر وتتأثر ببعضها البعض، وإهمال هذه المسؤولية فى فترات التحول الاقتصادى وفى اللحظات الفارقة من عمر الوطن سوف يشكل خطرًا اجتماعيًا داهمًا يعوق عملية الأمن الاجتماعى، والنمو الاقتصادى، حيث ترتبط تلك المسؤولية الخيرية بما يقدمه رجال الأعمال فى المجالات المختلفة من خدمات وأساليب للرعاية للفقراء والمحتاجين والمعوقين وعمل مشروعات خيرية تؤدى إلى تحسين أوضاع المجتمعات التى يمارس رجال الأعمال مهامهم وأنشطتهم فيها، بل إن ذلك يساهم فى تحقيق السلام الاجتماعى والأمن القومى وتقوية أواصر العلاقات الاجتماعية بين الفئات الاجتماعية المختلفة.
وهنا أشير إلى ما يسمى بالمسؤولية التطوعية الخيرية لرجال الأعمال، وهو المفهوم الذى أصبح الآن يرقى إلى مصاف الواجب الاجتماعى المقدس فى الخطاب العام وفى ظل تلك الروح المجتمعية الراقية التى نعيشها مع انتخاب رئيس للبلاد، حيث يشكل مجموعة من الالتزامات البديهية التى ينبغى على رجال الأعمال الاضطلاع بها لصالح المجتمع عامة والفقراء والمهمشين فيه بصفة خاصة.
الأمر الذى يتطلب ضرورة أن يخصص رجال الأعمال جزءا من أموالهم وأن يقوموا بإنفاقها على جوانب اجتماعية مختلفة تتمثل فى تنفيذ العديد من المشروعات التى تستهدف التخفيف من حدة الفقر الذى يعيشه الكثير من البسطاء فى القرى والنجوع والمناطق الفقيرة، وأيضا فى حل مشاكل العشوائيات التى تحولت مع مرور الوقت إلى ما يشبه القنابل الموقوتة القابلة للانفجار فى أى وقت التى من شأنها عرقلة «النهوض بالمجتمع»، كما ينبغى على رجال الأعمال أيضا الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية من خلال توفير تسهيلات طبية وعلاجية مجانية للمرضى من الفقراء، ‑‑‑‑‑‑وتوسيع فرص العمل من أجل محاصرة مشكلة البطالة التى تتسع وتزداد حدتها يوما بعد الآخر، والإسهام فى تقديم المساعدات العينية والنقدية للمحتاجين من الأسر والأفراد وبخاصة فى وقت الأزمات والحوادث، والنكبات الفردية العامة.
يا شعب مصر، إننا على أعتاب مرحلة جديدة فى ظل تولى رئيس جديد للبلاد تتطلب تضافر كل الجهود، فالرئيس الذى جاء بأصوات كل هذه الملايين التى تدافعت نحو صناديق الانتخابات لتمنحه صوتها جدير بأن تتحول هذه الملايين إلى طاقات تعمل معه بإخلاص من أجل النهوض بمصر ومن أجل استكمال خارطة المستقبل التى رسمت ملامحها كل تلك الملايين التى خرجت فى 30 يونيو رافضة لواقع مرير ومتطلعة نحو مستقبل أفضل.
ويا رجال أعمال مصر الوطنيين الشرفاء، مصر فى انتظار مساهماتكم الفعالة التى بكل تأكيد سيكون لها عظيم الأثر فى خلق مستقبل مشرق للأجيال القادمة وهذا بالطبع سيكون أبلغ تعبير عن حرصكم على رد الجميل لوطن عظيم فى حجم ومكانة مصر التى كانت وستظل دولة قوية لها ثقلها ليس على المستوى الإقليمى فحسب بل وعلى المستوى الدولى أيضا.