لا تقِف عند شاطئ الحياة تنظر أمواجه ورماله دون أن تُبحر فيه حتى لا تتحول إلى مُشاهد للحياة فقط، بل كُن مشاركًا فيها. والإبحار فى أعماق الحياة يحتاج إلى عدد من المهارات تحدثنا عن كثير منها فى مقالات سابقة، ولٰكننى أتوقف هنا عند بعضها.
يقولون: "الحياة أقصر من أن نضيعها فى تسجيل الأخطاء التى ارتكبها غيرنا فى حقنا، وفى نشر روح العداء بين البشر.". فحين يخطئ إليك شخص ما تجاوز عن هٰذا الخطأ سريعًا ولا تفقد لحظات العمر الثمينة التى وهبها الله لك فى كراهية هٰذا الإنسان أو التفكير فى كيفية الانتقام منه؛ بل امضِ قُدمًا فى طريق الحياة نحو أهدافك العظيمة ورسالتك دون أن يضيع منك ما لا يمكنك استعادته. فإن الخَسارة التى يتعرض لها الإنسان فى أى أمر من أمور الحياة يمكن أن يعوضها يومًا ما إلا "الزمن". فالأوقات التى تعبر من حياتك لن يمكنك استعادتها مرة أخرى؛ لذا لا تستبدل بما هو غالٍ وثمين ما هو أقل شأنًا منه. وثِق أن من أخطأ فى حقك سيعرِف يومًا مقدار ما أخطأ فيه. ومن أروع الأشعار فى هٰذا ما كتبه الشاعر الروائى الإنجليزى "كيبلينج" فى قصيدته "إذا"، التى يقدم فيها أب نصائحه وإرشاداته إلى ابنه فى طريق الحياة حتى يعرف "النجاح" ويكون "إنسانًا"؛ ومنها: أن يستبدل الدقيقة التى يُقضِّيها فى عدم مسامحة الآخرين فى العمل والإسراع نحو هدفه. لذا لا تجعل إنسانًا يُفقدك أثمن عطايا الله إليك: "الزمن"، ولا تنشغل بأمور أخرى عن أهداف حياتك، ولا تحاسب إنسانًا قدر عطائه نحوك، بل تمثل بالله الذى يقدم الخير إلى الجميع.
ثَمة أمر آخر، وهو أن تعبر رحلة الحياة بأفق متسع ورؤية واضحة. وحين أتحدث عن اتساع الأفق أعنى ذٰلك الفكر الذى يستطيع استيعاب الأفكار المقدَّمة وانتقاء ما يلائم منها للحياة التى تريد أن تحياها. وأيضًا الفكر الذى يستطيع إدراك تجارِب الآخرين والأحداث والتاريخ ليتعلم منها، وتصبح هٰذه الخبرات رصيدًا للإنسان فى مسيرة حياته. وهنا أتذكر بيت الشعر القائل:
مَنْ وَعَى التّارِيخَ فِى صَدْرِهِ أَضافَ أَعْمارًا إِلَى عُمْرِهِ
لذا اقرأ كثيرًا لتستطيع فَهم عديد من أمور الحياة وتعلمها، وابدأ من حيث انتهى الآخرون لتستطيع أن تصل إلى أبعد مما وصلوا إليه؛ فقيمة الحياة أن تكون طريقًا يستكمله روادها لا أن يسلكه كل إنسان منفردًا، ليصل الجميع إلى النقاط المتقاربة نفسها.
والاستماع إلى الآخرين أيضًا يساعد فى اتساع أفق الإنسان؛ فالاستماع يساعدك على تفهم من حولك بأسلوب صحيح، كما يجعلك قادرًا على انتقاء الأفكار الجيدة من حولك، وهٰكذا ينمو الإنسان ويتجه بخطى سريعة فى طريق الحياة. و"عن الحياة" ما زلنا نُبحر.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى .
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتور طارق
مقال جميل