لماذا قفز التيار السلفى فى مصر فجأة إلى حيلة العمل السياسى، بعد أن كان رجاله منصرفين إلى العمل فى الدعوة والإرشاد؟، لماذا انقلب أغلب التيار على مواقفه وذهب ناحية العمل السياسى؟، لماذا خرج من الشرنقة إلى المشاركة فى فعاليات وخطوات التغيير، لنشهد تحولات فى المدارس السلفية المتنوعة؟
هذه الأسئلة وغيرها، ينشغل بها كتاب «سراديب السلفيين - محاولة لفهم الحالة السلفية» للباحث الصديق ماهر فرغلى، الصادر عن دار «كنوز»، ويقدم الكتاب تعريفا بسيطا للسلفية، وتقديما لخريطتها، وشرحا لكياناتها الجديدة وعرضا لمواقفها وتوقعا لمستقبلها.
يخوض «فرغلى» فى هذه القضية بخلفية معرفية عن حركات الإسلام السياسى اكتسبها لأنه كان أحد كوادر الجماعة الإسلامية، وقضى فى السجن بسبب ذلك 13 عاما، ووضع كتابا هاما وثريا عن تجربته بعنوان: «الخروج من بوابات الجحيم»، وبالرغم من التباعد الحركى والتنظيمى بين الحالة السلفية وحالة الجماعة الإسلامية، إلا أن فرغلى يقول إنهم كانوا يستفيدون من مؤلفات السلفيين وبالذات إسماعيل المقدم، ويضيف بأنهم كانوا يفعلون ذلك لأن هذه الدراسات كانت تأتى على هواهم، مثل تحريم العمل فى البنوك، أو الصلاة خلف غير الملتحى، وكذلك خطأ وقت صلاة الفجر، ووجوب تأخيره ثلث ساعة، والصيام مع السعودية لأنها ترى هلال رمضان رؤيا العين، وغيرها من المسائل التى أثارت جدلا واسعا بل وأدت إلى معارك فكرية كبيرة، ووصلت فى بعض الأحيان إلى العراك.
يتحدث الكتاب عن أن الانتشار السلفى تم فى الغالب بسهولة ومن دون تنظيم، وأن الجسم الأكبر لهم غير مؤطر تنظيميا وليس له من يمثله أو يتحدث باسمه، لكنه وضع غير طبيعى بسبب ما يسمى بالولاء والبراء والانتماء إلى مشايخ بعينهم، مما رشحهم بعد ثورة 25 يناير للتغيير باتجاه تأطير أنفسهم فى كيانات منظمة. يتوزع المعسكر السلفى إلى العديد من الاتجاهات يصل الاختلاف بينها إلى حد التناقض، فجماعة «أنصار السنة المحمدية» ترى أن النظام الديمقراطى نظام كافر، لكن الانتخابات بالترشيح ومزاحمة أهل الديمقراطية لتقليل شرهم جائزة، وترى شرعية العمل الجماعى، ولا تقر التحزب لغير السنة والجماعة، ومثلها مثل الجمعية الشرعية التى يصل أتباعها إلى مئات الآلاف.
هناك سلفية علمية تؤمن بالعمل الجماعى التنظيمى، ولكنها ترفض العمل من داخل مؤسسات الدولة التى تعتبرها غير إسلامية، ولذا أنشأت تنظيما كاملا له فروع ومسؤولون، وذا آلية ونظام صارم، بقيادة محمد عبدالفتاح أبوإدريس (قيم الدعوة الإسلامية)، وسعيد عبدالعظيم (المشرف على المجلس التنفيذى للدعوة السلفية) وكل مشايخ الفضائيات المصرية يتبعون هذا التيار.
ويعد السلفيون الحركيون هم الأخطر، فهم يرفضون تكوين جماعة خاصة، لكنهم يشجعون أتباعهم على التعاون مع جميع الجماعات العاملة حتى تنظيم القاعدة، حتى إن كل المجموعات المسلحة التى قبض عليها فى مصر، اعترفت فى التحقيقات أنها كانت من تلاميذ محمد عبدالمقصود وفوزى السعيد شيخى هذا الفصيل الذى يدعو الانقلاب على أنظمة الحكم، وهناك تيار آخر قد يتناقض مع الجميع وهو التيار «المدخلى» بقيادة أسامة القوصى ومحمود عامر الذى كان أفتى بقتل البرادعى حيث يرى بعدم الخروج على الحاكم المسلم، ونستكمل غدا.