كنا نعتقد بعد البدايات المدهشة لكأس العالم أننا أمام بطولة استثنائية، وأن كرة القدم هذه المرة ستنحاز إلى عشاقها، ولكنها أهدت الفوز إلى التكنوقراط، لينتصر الموظفون على الحريفة، فازت ألمانيا لأنها لعبت على المضمون، كان لاعبوها فى مهمة عمل رسمية، لم يذهبوا إلى البرازيل للاستمتاع باللعب والارتجال، هم ذهبوا إلى تجريب ما تعلموه فى المختبرات، فازت ألمانيا لأن الكرة البرازيلية أقل برازيلية، ولأن سكولارى اعتقد أن الأرض والتاريخ بإمكانهما تعويض الخواء الروحى الذى حوط اللاعبين الأثرياء فى مجتمع يعانى أفراده من العوز ويقفون فى منطقة وسط بين الرغبة فى الاستمتاع وضرورة الاحتجاج. الأرجنتين لم تكن مقنعة، وسنحت لها ثلاث فرص فى المباراة النهائية، أهدرتها لأنها غير قادرة على الفرح، ولم تصدق أنها فى المباراة النهائية.
فازت ألمانيا لأن أوروبا فوضتها لكى تعبر عن الرأسمالية ولكى تؤكد للعالم أن اللعبة لم تعد ملكا للفقراء، الكرة الجميلة التى انتظرناها هذه المرة جاءت من كولومبيا والمكسيك وكوستاريكا وبلجيكا، حيث تكمن البطولة فى المتعة والاستمتاع باللعب، فازت ألمانيا بالبطولة ولكن الذاكرة ستحتفظ بلمسات نجوم الأدوار الثانوية الذين لعبوا لجمهور الترسو، ولأنه لا ينبغى أن يدفع مخلوق على الكوكب مليما واحدا لكى يشاهد اللعب، هذه البطولة تجعلك تتذكر إدواردو جاليانو، الذين كان يرى أننا أمام استعراض يجرى تنظيمه لا من أجل اللعب ولكن من أجل منع اللعب، نحن أمام كرة قدم تعتمد السرعة المحضة والقوة الكبيرة وتستبعد الفرح وتستأصل المخيلة وتمنع الجسارة.. لم تكن «البطولة» التى انتظرناها.