قوة غاشمة محتلة تم زرعها فى فلسطين بدعم إمبريالى غربى لتعبر عن أعلى مراحل الاستعمار، وهى الاستيطان، تلك هى الكيان الصهيونى، هذه القوة الغاشمة سطت على القدس الشرقية وعلى المسجد الأقصى وتريد أن تسيطر عليه، وهى تفتحه علنا للصهاينة المتطرفين للصلاة فيه حتى لا يكون مسجدا للمسلمين وهو أول القبلتين وثالث الحرمين بعد الحرم المكى والمدنى. هذه القوة الغاشمة جريمتها لم تتوقف منذ سطوها على فلسطين فى حرب 1948 ومن بعدها فى عام 1967، وهى تعلن أن القدس عاصمة للكيان الغريب المزروع فى أرض العرب والمسلمين بقوة النظام الدولى المنحاز سياسيا وثقافيا لذلك الكيان، فكل صناع السياسة فى الغرب يؤمنون بالتوراة، ويعتبرونها مدخلا للفهم المسيحى، ومن هنا نشأ ما يعرف باسم الأصولية الإنجيلية، وكل القرارات التى اتخذها الغرب وساسته فى صالح الكيان الصهيونى الذى لم يكن هنا قبل أكثر قليلا من خمسين عاما – كلها قرارات ذات بعد يستبطن الدين والثقافة.
ومع ضعف العالم العربى وظهور أوسلو ثم سقوطها، وانحياز العالم للكيان الصهيونى انحيازا شائنا، فإن الكيان الصهيونى يعتبر العالم العربى وكأنه فناء خلفى لأمنه يعبث به ويتحرك فيه وفق ما يريد، حتى أن الصيغة التى تريدها إسرائيل وهى الصيغة الأمنية فى علاقتها بالسلطة الفلسطينية، أى ترتيبات لمزيد من تحقيق أمن الكيان قد تعرضت للاهتزاز مؤخرا حين قررت السلطة أن تضع يدها فى يد حماس فى القطاع من أجل حكومة وحدة وطنية تقرر هى ما تريد، وليس بإملاءات صهيونية. وقتها هاج نتنياهو وضغطت أمريكا وقالوا بشكل علنى إما أن تختار السلطة بين حماس أو إسرائيل، بينما خيار الكيان الصهيونى هو خيار لا يعطى أى أمل للفلسطينيين فى أن يقرروا مصيرهم وتكون لهم دولتهم، الاستيطان لا يتوقف وقضم الأراضى الفلسطيينية لا ينتهى على مرأى ومسمع من العالم فى مخالفة صريحة للقانون الدولى والكيان الصهيونى يرى نفسه قوة خارج القانون الدولى وفوقه، ولا تلتزم، ويقرر ما يريد على الأرض دون اعتبار لأية قواعد أخلاقية أو قانونية.
ماذا يجرى الآن القوة الغاشمة الصهيونية تضرب غزة، المخيم الفلسطينى الكبير المحاصر من جميع الجهات، وتظهر الوجوه التى أصابها القتل والجرح وهى تبكى ولكن يشع منها إرادة الانتصار على الضعف والذل والإهانة، اليوم تقاتل تلك القوة المجرمة مجموعة من المحاصرين الذين يواجهون تلك القوة الغاشمة بما يستطيعون، الصواريخ الفلسطينية تصل إلى تل أبيب وإلى حيفا وإلى مطار اللد، تحية لتلك الصواريخ التى تقاوم العدوان وتشير إلى أن خط المستقبل تؤسسه معركة الصواريخ مع عدونا الصهيونى اللدود. العنف والقتل والولوغ فى دماء الأطفال والأبرياء لن يحقق النصر للكيان، لكنه يبذر بذورًا فى الطريق إلى معركة المستقبل مع هذا العدو، يبدو لى أن معركة غزة اليوم وغدا لأن الوصول إلى اتفاق لوقف النار سيتحقق، ولكن هذه هدنة على الطريق للمستقبل المنتصر بالضرورة للإنسان العربى المسلم المستضعف الذى يواجه السيف بدمه، ولا يمكن للسيف أن ينتصر على الدم.
معركة المواجهة مع عدونا الصهيونى هى المعركة الصحيحة، وذلك الدفع للصول والوحشية ومواجهة العدوان بما نستطيع هى الاتجاه الصحيح للمستقبل، ومعركة غزة اليوم وغدا هى معركة مصر، ومعركة كل العالم العربى، لأن هذا العالم أمنه واحد ولا يمكن أن نجزأه، وتاريخيا كان خط الشام ومصر وفى قلبه فلسطين وغزة هو ساحة الدفاع عن أمن مصر. إن صرعات الطائفية والشوفينية الضيقة التى ترى مصر بلا إحساس عربى ولا إنسانى ولا إسلامى تجاه ما يجرى فى غزة هى صرعات مريضة لا يمكن أن تكون أساسا لموقف مصر من معركة غزة التى هى معركة مصر، ومعركتنا جميعا نحو المستقبل، والحرية والكرامة الإنسانية، أهمية معركة غزة أنها تعيدنا لتذكر من يكون عدونا ومن يكون صديقنا، فالعداوة والصداقة فى هذه المعركة هى جزء من العقيدة الإيمانية، كما أنها جزء من الجغرافيا السياسية والأمن القومى.