الجواب يظهر من عنوانه.. أتحدث عن المسلسل المعنون سرايا عابدين وهو اسم خاطئ يعبر عن مجموعة أخطاء وخطايا ارتكبها صناع العمل فى حق الدراما والتاريخ والشعب المصرى، وقبل سرد بعضها على سبيل المثال لا الحصر لابد أن نتوقف أمام الاستهلال الذى أرادت به كاتبة المسلسل الكويتية غسل يدها من الجريمة، وهى عبارة القصه مستوحاة من التاريخ، وحسب تصريح صحفى لها قالت إن هذه العبارة تعنى إنها لا تلتزم بالتاريخ، يعنى طز فى كل المراجع والمخطوطات والمؤرخين وطلاب أقسام التاريخ وحاملى درجات الماجستير والدكتوراة فى تحقيق تاريخ الأسرة العلوية، خصوصا فترة الخديو إسماعيل، ولو أن الكاتبة احترمت عقولنا وتاريخ مصر لأعطت مسلسلها أحد أساتذة التاريخ ليراجعه ويمنع الفضيحة قبل إذاعتها على الملايين، ولو أن مخرج العمل ومنتجه يحترمان هذا البلد لأرسلوا نسخة من السيناريو للجمعية المصرية للتاريخ، وهى أقدم جمعية فى المنطقة، وفيها مؤرخون وأساتذة كانوا سيقومون بالمراجعة والتدقيق بلا مقابل، ومنهم علماء أفاضل مثل د. عاصم الدسوقى وقاسم عبده قاسم وخلف الميرى، وغيرهم ممن لهم سوابق فى مراجعة الدراما التاريخية ويعرفون الحد الفاصل بين التأريخ بالدراما والتزوير الدرامى والخيال الفنى الذى لا يتناقض مع الحقيقة التاريخية.
ولكى نفهم الفرق فعلينا الرجوع لناقد وفنان غربى مهم كتب فى هذا هو بيتربروك الذى أعاد تقديم أعمال شكسبير المسرحية التاريخية وعدلها وفق حقائق تاريخية ثابتة، وهو يرى أن العمل الفنى يصبح وثيقة تاريخية للأجيال لذلك يحذر من العبث بما أجمع عليه المؤرخون بينما أعطى الحق المؤلف الدرامى فى اللعب بالتفاصيل التى لا تتناقض مع الإجماع، فليس من المنطقى أن نقول مثلا إن خوفو هو بانى الهرم الأصغر بما يجافى الحقيقة التاريخية، وهذه المدرسة الإنجليزية فى التعاطى الدرامى مع التاريخ ظهرت مدرسة أخرى ضدها روج لها يهود فرنسا وأمريكا وضربوا عرض الحائط بإجماع المؤرخين من أجل ترويج الهولوكوست، وخرجت عشرات الأفلام والروايات والمسرحيات والمسلسلات تحت إشراف عملاء الصهاينة، ومنها فيلم قائمة شندلر، الذى كتب عنه الناقد الفرنسى اليهودى جان كليمنصو بأنه وثيقة للأجيال وعلى العالم أن يعوض اليهود ويشعر بالذنب مدى الحياة.. بعد هذا الفيلم وحسب المفكر الراحل روجيه جارودى صاحب الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل الذى حوكم وسجن بسببه فى فرنسا فإن أى عمل فنى تاريخى يزور الحقيقة عليك أن تبحث عن صانعه.
وأنا أطرح سؤال جارودى على صناع هذا المسلسل الردىء فنيا والمهلهل دراميا والمزور تاريخيا بداية من الاحتفال بعيد ميلاد الخديو الثلاثين فى سراى عابدين الذى لم يكن موجودا أصلا، ولم يكن إسماعيل خديو ولكنه والٍ وليس نهاية الأخطاء بموت فؤاد ثم اختراع حمل مزيف لفريال كى يأتى فؤاد مرة أخرى مرورا بجهل مستفز عن علاقة إسماعيل بالأستانة أو تعرضه لأخطر مشاكله مع الأوروبيين ثم المفردات اللغوية النمطية من تراث السينما والاضطراب الواضح فى لغة الشخصيات والبعد تماما عن حياة الشعب وموقفه من حاكمه والمشهد الوحيد الذى أخذت فيه شمس «غادة عادل» الخديو لشوارع المحروسة ليلا وجدنا رقصا غربيا وخمرا كأن هذا هو الشعب المصرى وقتها، ثم هذا الكم من العلاقات الجنسية والحمل السفاح بين جوارى وخادمات القصر، ناهيك عن أحداث مجانية لا تخدم القصة الأصلية وخطوط تطلقها الكاتبة وتنساها ثم بعد عدة حلقات تتذكرها بعيدا عن أبسط قواعد السيناريو فى الفعل ورد الفعل، فرسالة فخر الدين التى تثبت تجسسه على الخديو تقع فى يده موقعة باسمه، ومع ذلك يترك مساعده ويذهب لأخيه، ومقتل عشيق نظله عمته، نرى رد فعلها بعد عدة حلقات وجشم السورية أحيانا تتكلم سوريا وأخرى مصريا بلا مبرر، والقتل بالسكين فى حلقة 18 فعل مجانى بين الجميع والموسيقى التى يتم عزفها كالسيفونيات لبيتهوفن وأشتراوس وباخ لم تكن قد ولدت، وهكذا لم يترك التزييف عنصرا إلا طاله وللأسف ضاع مع انعدام الضمير الفنى والعلمى جهد إنتاجى وأداء تمثيلى واضحين، ويبقى السؤال لصالح من الآن كل هذا التشويه؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة