تحتفل مصر بمرور 62 عاماً على ثورة 23 يوليو 1952، الحدث الأهم فى التاريخ المصرى والعربى المعاصر، والذى شكل قطيعة سياسية وثقافية واجتماعية بين مصر الإقطاعية شبه الرأسمالية وشبه الليبرالية ومصر دولة العدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة، القائدة للعروبة والتحرر الوطنى فى العالم.
قطيعة 23 يوليو 1952 لما قبلها مشروعة وكانت حتمية تاريخية لأنها لم تهدم الدولة المدنية أو تعود بمصر لعصور الظلام والانحطاط، كما حاول نظام مرسى والإخوان، وإنما كانت استكمالا لمشروع التحديث الذى وضع أساسه محمد على وفرط فيه أبناؤه وأحفاده من بعده، لذلك شكلت ثورة عبدالناصر نموذجاً ملهماً للعرب وللمسلمين ولكل الشعوب المتطلعة للاستقلال الوطنى والتنمية المستقلة، صحيح أن دولة عبدالناصر وثورته لم تحقق الديمقراطية وتعرضت لهزيمة 67، إلا أنها ما تزال حلماً يراود أغلبية المصريين الذين يتطلعون إلى إعادة إنتاجه، ويندمون على انقلاب السادات ومبارك على سياسات ثورة يوليو.
الحلم والأمل فى ثورة يوليو لدى أغلبية المصريين عبرا عن نفسيهما فى رفع صور عبدالناصر وشعاراته فى ميادين ثورة 25 يناير وموجتها العظيمة فى 30 يوليو، حيث أعاد السيسى إلى المصريين صورة البطل المنقذ الذى تجسد فى شخصية وأعمال عبدالناصر والسادات، فانتشرت صور القادة الثلاث رغم ما بينهما من اختلافات كتعبير شعبى تلقائى عن الحاجة إلى زعيم بشجاعة وإقدام عبدالناصر ودهاء السادات، زعيم قادر على الدفاع عن استقلال وكرامة الوطن واستعادة قوة الدولة ومكانة مصر فى الخارج والأهم الانحياز للفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية.
تأتى ذكرى 23 يوليو هذا العام بعد أن استعادت مكانتها فى وجدان ووعى المصريين، فلم يعد هناك صراع وانقسام حول أهميتها وإيجابياتها التى تفوق بلا شك سلبياتها، وانتهى أو كاد الحديث عن نهاية دولة يوليو ومشروعيتها التاريخية أو مشروعها الوطنى فى التحرر والتنمية والتعاون بين الدول العربية وصولاً للوحدة العربية على غرار الوحدة الأوربية، انتهى كل ذلك وطرحت أفكار وقيم 23 يوليو نفسها كإطار مرجعى، ملهم للمرحلة الانتقالية وفى الانتخابات الرئاسية، حيث تبنى السيسى وحمدين صباحى أفكارا ومواقف أقرب ما يكون لتراث ثورة 23 يوليو فى ظل حكم عبدالناصر، وأعاد السيسى الاعتبار للعروبة وللأمن القومى العربى، ولضرورة التعاون والتكامل العربى، كما التزم خطابه السياسى بالانحياز للفقراء والمهمشين وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية والاستقلال الوطنى وهى القيم والتوجهات الأساسية لثورة 23 يوليو كما أعلن عنها ومارسها عبدالناصر حتى وفاته عام 1970.
هى فيما أظن عودة لقيم وتوجهات ودروس ثورة 23 يوليو، لكن فى سياق تاريخ مغاير وفى ظل ظروف وتحديات داخلية وخارجية بالغة الخطورة ما يتطلب الالتزام بالأقوال والوعود، والسعى لنصرة الفقراء والدفاع عنهم وتعظيم دور الدولة فى الاقتصاد مع تشجيع القطاع الخاص ومحاربة الفساد، أيضاً فإن العودة لقيم ودروس ثورة 23 يوليو تعنى التوازن بين الأمن والحرية، ورفض تأجيل الديمقراطية تحت دعوى تحقيق التنمية أو العدالة الاجتماعية أولاً.
إن معظم المصريين بمن فيهم الرئيس السيسى ولدوا بعد ثورة 23 يوليو، ونشأ الرئيس وحكومته فى ظل ثورة يوليو، واستفادوا من التعليم المجانى وإجراءات العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص التى التزم بها عبدالناصر قولاً وفعلاً، وبالتالى عليهم أن يمارسوا ويلتزموا بما تربوا عليه فى ظل حكم عبدالناصر، ويضيفوا إليه الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والانحياز بوضوح وقوة للفقراء لأنهم أغلبية هذا الوطن.