فى الفيلم الأمريكى «رجال بملابس سوداء» بطولة ويل سميث وتوم لى جونز، نضحك من المخرج الذى استطاع أن يجسد المخلوقات الفضائية على صورة كائنات لها عدة رءوس أو غير قابلة للموت، أو تتعدد أشكالها من الجمادات إلى الحيوانات، لكنها جميعاً تتخفى فى صورة بشر مثلنا تعيش وسطنا، وتمارس مهامها شبه الإنسانية بينما تخفى أسرار مهامها الأصلية، أو أسباب وصولها إلى الأرض ضيوفاً غير مرحب بهم.
دور ويل سميث وتوم لى جونز هو مطاردة تلك الكائنات التى وصلت بدون دعوة، وإخضاعها للمراقبة مثل المجرمين المفرج عنهم، وأى ضيف فضائى يخالف الأوامر، يتم التعامل معه بأسلحة خاصة يمكنها تخزينه أو تجميده أو قطع رأس من رؤوسه، حتى يلتزم بأصول الضيافة أو يرحل أو يموت.
أتذكر هذا الفيلم الآن وهو من تراث التسعينيات السينمائى، مع الكشف المذهل الذى أعلنت عنه وكالة ناسا الفضائية، من أننا لسنا وحدنا فى الوجود، وأن التلسكوبات المقوية التى تم تصنيعها خلال السنوات الماضية والتى سيتم تصنيعها فى المستقبل القريب، كفيلة بتأكيد حقيقة أننا لنا جيران من مخلوقات أخرى، تشاركنا المجرة التى نحيا على كوكب صغير يدور حول شمس صغيرة من ملايين الشموس بها، أو قد تحيا على كواكب مجرات أخرى!
كلام «ناسا» فى حد ذاته ليس جديداً كلياً، إذ سبقه تلميحات فردية من علماء بالوكالة، وتأكيدات من رجال مسؤولين أفادوا بأن الحكومة الأمريكية تمتلك ملفاً لكائنات فضائية جرى احتجازها وإخضاعها للبحث العلمى، كما يجرى العمل على تطوير لغة ما، يمكن التواصل بها مع الضيوف الفضائيين على كوكب الأرض أو فى الكواكب الأخرى، ورغم أن الملف بحسب الذين تحدثوا بشأنه شديد السرية، وجرت مطالبات عديدة فى الكونجرس للكشف عن المعلومات الخاصة به، إلاّ أن آخرين يشككون ومازالوا فى الأمر كله، ويعتبرونه مجرد أفكار خيال علمى عملت السينما الأمريكية على تضخيمه وتحويله لاتجاه فى صناعة السينما، تماماً مثل أفلام رعاة البقر، أو أفلام مصاصى الدماء، أو أفلام الرياضات العنيفة مثل الكاراتيه.
الملفت فى خبر ناسا، ليس فقط تحديدها إطاراً زمنياً بـ 20 عاماً لإمكانية العثور على جيران فضائيين يمنحون هذا الكون بعداً جديداً يزلزل كل ما نشأنا عليه من فلسفات، تقوم على مركزية الإنسان فى الكون، وإنما لأن الخبر فى حد ذاته يكشف الفارق الهائل فى مستوى التحديات لمجتمعات متقدمة، تعمل على بحث إمكانية الحياة فى كواكب أخرى، والانطلاق نحو ذلك اقتصادياً وثقافياً وروحياً، وبين مجتمعات مازالت ترى أن من يقول بأن الأرض غير دائرية، أو أنها لا تدور حول الشمس.
لاحظوا الفارق مثلاً بين وكالة ناسا وهى بالمناسبة تمتلك ميزانية سنوية تفوق عشرات الدول النامية مجتمعة، وبين ما تمثله من تطلع إلى المستقبل، وبين جماعة مثل «داعش» وما يمكن أن تمثله من تطلع نحو الظلام والعنف والقتل، وإعلاء قيمة الموت على كل ما عداها.
أنا شخصياً أفضل أن استيقظ فأجد فى بيتنا كائنات فضائية، أو أن أتابع مسؤولى ناسا وهم يعقدون أول مؤتمر صحفى مع جيراننا الفضائيين على أن تصل داعش إلى المدينة التى أعيش فيها، لأن الفارق بين اللحظتين هو الفارق بين آفاق المستقبل وكهف الماضى بين الحياة فى جوهرها والموت باعتباره إعداماً!!