الإعلام صناعة وتجارة، مكسب وخسارة، تتحكم فيه حكومات ورجال أعمال ومستثمرون، وهؤلاء يسيطرون على وسائل الإعلام ويحددون لها الموضوعات التى يمكن التركيز عليها أو تجاهلها، ويختارون الأشخاص والصور والأفلام التى تظهر أو لا تظهر فى الصحف أو فى شاشات التليفزيون والكمبيوتر والجوال، فى التغطية الإعلامية الغربية والعربية للعدوان على غزة طبقت للأسف القواعد السابقة فى العمل الإعلامى، وهى قواعد غير عادلة لذلك فهى غير معلنة، ولكن كل الإعلاميين يعرفونها تماماً ويعانون منها، ويحاولون من دون جدوى كسرها أو التحايل عليها، ومع ذلك تبقى هذه القواعد غير المهنية وغير الأخلاقية راسخة وثابتة فى الإعلام التقليدى، حيث نجح الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعى فى كسرها، وفضح العدوان العنصرى على غزة، وهذه إحدى أهم الظواهر الإيجابية التى أتمنى أن تتطور وتقضى على احتكار الميديا التقليدية للأخبار والصور عن الأحداث عبر العالم.
كالعادة اتجهت معظم وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية التقليدية لإدانة حماس وتحميلها مسؤولية ما يجرى من قصف عشوائى للمدنيين فى إسرائيل وغزة، وعرضت وسائل الإعلام الغربية الحرب الغبية الدائرة فى غزة باعتبارها لعبة حرب ودمار بين طرفين متساويين فى القوة!! فحماس تقصف بالصواريخ إسرائيل وتهدد المدنيين الأبرياء، بينما إسرائيل قدمت كطرف معتدى عليه يقوم بالدفاع عن نفسه، والرد على عدوان الإرهابيين الذين يحتمون بالمدنيين الأبرياء فى غزة، مثل هذا الصورة المختزلة للحرب تشوه الحقائق وتتلاعب بجهل المشاهدين فى أمريكا أو تحيزاتهم السابقة، وهى بالمناسبة صورة مكررة تعود عليها الإعلام والجمهور الغربى معاً، حيث تعود الجمهور على مشاهدتها وكأنها ألعاب فيديو عن الحرب أو مسرحية عبثية تطير فى الصواريخ وتتحرك فيها القوات على الأرض والطائرات فى السماء دون أن يشاهد التفاصيل ويفكر فى مغزى ما يجرى وأسبابه ونتائجه.
تشجع التغطيات الإعلامية الغربية المشاهدين على فعل الفرجة والتلقى السلبى دون حثهم للتفكير فى أسباب الحرب وسياقها التاريخى ونتائجها، وللأسف انتقلت هذه الأمراض إلى بعض، وليس كل وسائل الإعلام المصرية، حيث خضعت للرؤية الإعلامية الغربية للعدوان على غزة، وتجاهلت عدم توازن القوى وإجراءات العنف غير المتناسبة بين الطرفين والتى تعكسها أعداد القتلى والجرحى على الجانبين، حيث نجحت إسرائيل فى اعتراض أكثر من 85% من صواريخ حماس، وتوسعت كالعادة فى القصف العشوائى غير الأخلاقى للمدنيين ولمدرسة للأطفال تابعة للأمم المتحدة ما يعد مجزرة حقيقية، ومع ذلك عرضت الميديا الغربية صور للأسر والأطفال فى إسرائيل وهم يهرعون إلى الملاجئ أكثر من صور المدنيين فى غزة، ونادراً ما تعرض ندر صور للقتلى والمصابين الفلسطينيين.
تجاهل الإعلام الغربى للحقائق والسياق التاريخى للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين أمر معتاد، لكن الجديد والخطير أن بعض الأصوات فى الإعلام المصرى والعربى قلدت الإعلام الغربى، ربما لأنها خلطت بين الخلاف السياسى مع حماس، وبين الالتزام الأخلاقى والوطنى والعروبى بدعم الشعب الفلسطينى والمدنيين الأبرياء فى غزة، أن هذا الخلط غير مقبول وغير أخلاقى، فمن واجبنا أن نختلف مع حماس لا أن نتشفى فيها، ومن واجب الإعلام المصرى أن ينتقد غباء حماس ونتانياهو وهما طرفا الحرب التى ليس لها أهداف واضحة، لكن ليس من حقه تجاهل قتل إسرائيل للمدنيين، وليس من حقنا كعرب ومسلمين تجاهل السياق التاريخى للصراع العربى الإسرائيلى، والتعامل مع العدوان على غزة بمعزل عن تعنت إسرائيل مع الفلسطينيين ورفضها الإقرار بحقوقهم المشروعة فى إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، باختصار لا بد من اتخاذ موقف مصرى شعبى ورسمى وإعلامى مركب، يقوم على تجاوز الخلاف مع حماس وينتقد فى الوقت ذاته سلوكها السياسى والعسكرى، ويدافع عن حقوق الشعب الفلسطينى ويعمل بكل الوسائل المتاحة على الوقف الفورى للعدوان الإسرائيلى، مع العمل على رفع الحصار عن غزة وتقديم جميع أنواع الدعم المادى والمعنوى لأهالينا فى غزة وفلسطين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
الخطاء لاكبر
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو احمد
غزة ومصر ارتباط ازلي وعلاقه تتجاوز الاخوة ولايجوز تركها لكائن من كان
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدى رشيد
احفاد قتلة الانبياء 3