فى يوم 6 يوليو من عام 969 ميلادية وضع القائد الفاطمى جوهر الصقلى حجر الأساس لبناء مدينة القاهرة، أى منذ ألف و45 عامًا، الأمر الذى يعنى أن القاهرة من أقدم المدن المأهولة فى العالم، وأن هذه المدينة الفريدة تمتلك من مقومات البقاء والاستمرار الكثير والكثير ما جعلها قادرة على مواجهة المحن والخطوب التى ألمت بها، سواء تمثلت هذه المحن فى احتلال خارجى أو جبروت حكام أو أوبئة ومجاعات!
فى كل مرة تتعرض فيها القاهرة إلى مصائب مرعبة، ويظن الناس ألا قيامة بعدها، يصنع الإنسان المصرى المعجزة وينتشل قاهرته من مستنقع الدمار، ويعيد بناءها بروح متوثبة وقلب جرىء.
إذا أعددنا كمية المصائب التى مرّت بالقاهرة فلن نحصيها، فقد تعرضت لغزو صليبى وعثمانى وفرنسى وإنجليزى، ولم يتول قيادة مصر حاكم مصرى طوال 2500 عام منذ سقوط الحضارة الفرعونية فى سنة 525 قبل الميلاد تقريبًا كما ذهب الدكتور سليم حسن عالم المصريات الجليل.
المثير للدهشة أن مصر بجلال قدرها اختزلت فى القاهرة، فمصر هى القاهرة، والقاهرة هى مصر عند أهلها وعند أهل غيرها، وما المقصود بأم الدنيا سوى القاهرة، وهو أمر بالغ الندرة فى دنيا المدن والدول، فما من عاصمة تختصر دولة، ولا مدينة بمقام وطن إلاك يا قاهرة.
فى موسوعته المذهلة (شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان) يقول الدكتور جمال حمدان إن القاهرة منذ نشأتها وحتى الآن تعد من أهم عشر مدن فى العالم، ففى أى عصر وأى زمن إذا أردت أن تعدد المدن الأهم فى العالم ستجد القاهرة سامقة شامخة تخبرك بأنك من المستحيل أن تنساها، وأنك يجب أن تعترف بفضلها على المدن الأخرى.
لكن.. وآه من قسوتها (لكن) كما يقول شاعرنا الرائد صلاح عبد الصور، لكن حكامها السابقين - من السادات مرورًا بمبارك ومرسى – لم يقدروا قيمة القاهرة، ولم يعرفوا أنهم يحكمون مدينة باذخة لم يخلق مثلها فى البلاد، فتركوها للإهمال والفوضى والقبح، حتى صارت مأوى للبؤس والقذارة بكل أسف، فهل أن نطمع - بمناسبة عيد ميلادها - أن ينتبه حكامنا الجدد إلى القاهرة فيعملون فورًا فى استعادة البهاء القديم لهذه المدينة الفذة!
قل.. يا رب!