قبل ثورة 25 يناير، كان الصديق المخرج خالد يوسف يخوض معركة كبيرة من أجل أن تتم الموافقة على تصوير فيلم «الرئيس والمشير»، الخاص بالعلاقة بين جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر، وهو من تأليف ممدوح الليثى، وكان خالد سيتصدى لإخراجه، وقام هو بكتابة سيناريو الفيلم.
فى أثناء نظر القضية أمام القضاء أطلعنى «خالد» على سيناريو «الرئيس والمشير»، وكان مدهشا ومتميزا، وليس له علاقة من بعيد أو قريب بالمسلسل الذى يتم عرضه حاليا باسم «صديق العمر»، رغم أن المؤلف واحد، هو ممدوح الليثى.
فى سيناريو «الرئيس والمشير» كان هناك رصد للعلاقة بين جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر منذ أن تعارفا فى الكلية الحربية، وأصبحا ضابطين فى الجيش المصرى بعد تخرجهما، وخدما سويا فى مواقع عسكرية مختلفة، ومع تفكير عبدالناصر فى تكوين تنظيم الضباط الأحرار الذى قام بثورة 23 يوليو، كان عامر أول من انضم إلى صفوف التنظيم، وباقى العلاقة بينهما معروفة بعد قيام الثورة، بدءا من تولية عامر وزارة الحربية، انتهاء بنكسة 5 يونيو 1967 وما حدث من تبعات خاصة بها، حتى كانت الدراما الكبيرة فى موت عامر التى تؤكد القرائن والرواية الرسمية انتحاره، بينما ترفض عائلته ذلك وتقول إنه قتل بدس السم.
كان سيناريو «الرئيس والمشير» يحمل رصدا إنسانيا مدهشا لعلاقة «عبدالناصر وعامر»، بالدرجة التى يمكن منها فهم أن جانبها الإنسانى كان هو النقطة الفاصلة فى إبقاء عبدالناصر على «المشير» فى قيادة الجيش المصرى لسنوات طويلة، بالرغم من أنه لم يكن أهلا للمهمة كما تبين فيما بعد أثناء نكسة 5 يونيو.
قرأت فى سيناريو «الرئيس والمشير» كيف اشترى «عامر» لـ«ناصر» رواية «عودة الروح» لـ«توفيق الحكيم»، بعد أن رأى ناصر يقف أمام المكتبة وعيناه عليها لكن ليس معه ثمنها، فيفاجئه عامر بشرائه لها.
كانت حياة الاثنين وفق سيناريو «الرئيس والمشير» تسير وفقا للتركيبة الشخصية لكل منهما بما تحمله من إيجابيات وسلبيات، وكان كل واحد منهما يحاول أن يجذب الآخر إلى حياته، كان «عبدالناصر» مشغولا طوال الوقت ببناء نفسه سياسيا وفكريا، يقرأ بنهم ويوسع اطلاعه فى كل المجالات، يقرأ فى التاريخ والسياسة والفكر والأدب، وكان أكثر طلاب الكلية الحربية استعارة للكتب، أما «عامر» فهو شخصية يغلب عليها الشهامة والجدعنة والوفاء للأصدقاء، لم تغادره أبدا شخصية «ابن البلد» الآتية من كونه ابن عمدة لقرية بمحافظة المنيا، ليس لديه طول بال على القراءة والاطلاع، ويندمج أكثر فى جلسات الأصدقاء والتسلية.
وبالرغم من هذا التناقض التقى الاثنان، وكان للقائهما طابع إنسانى كبير، غابت تحته مسألة التوقف من أجل الحساب، ومعرفة المكاسب والخسائر، وكان مبعث ذلك الثقة المتبادلة بينهما.
أذكر ذلك بمناسبة مسلسل «صديق العمر» الذى يقوم على نفس القصة التى عمل عليها «خالد يوسف»، إلا أننا نرى شيئا مختلفا، نرى عملا ليس له علاقة بـ«عبدالناصر» و«عامر»، ونرى انحيازا ضد عبدالناصر.. فلماذا؟