حرمة النفس البشرية
إن الوجه الدموى القبيح الذى أظهرته جرائم ما يسمى بتنظيم داعش الإرهابى فى العراق، والتى ظهر فيها أعضاء التنظيم وهم يقتلون الرجال والأطفال والنساء بدمٍ بارد، وكذلك الجرائم التى ارتكبها عناصر جماعة الإخوان الإرهابية خلال الذكرى الأولى لثورة 30 يونيو، وكم التفجيرات التى دبّروها فى هذه الذكرى، وكان من أبشعها تفجير قطار أبوقير، هذا الوجه الدموى القبيح، يذكرنا بما كانت عليه جزيرة العرب قبل الإسلام فقد كانت ساحةٌ واسعة للقتل الجماعى، واستباحة الدماء والأعراض، وكانت القبائل العربية فى صراع وحروب دائمة، يستحل بعضهم دماء بعض، وأموال بعض، وأعراض بعض، وكان المستفيد الوحيد من هذه الفُرقة والحروب الداخلية بين القبائل العربية، اليهود داخل الجزيرة فى المدينة وخيبر وتيماء، حيث يتاجرون فى السلاح وتزدهر هذه التجارة فى ظل الحروب الدائمة، ويزداد نفوذهم السياسى عند جميع القبائل، ويسيطرون على الأراضى الزراعية، والأسواق التجارية، وكذلك الفرس والروم خارج الجزيرة الذين حقّقوا أمنهم، بسبب ضعف العرب وتفرقهم، وحوّلوا الإمارات العربية حارسة لأمن الروم على حدود الشام، ولأمن الفرس على حدود العراق.
وجاء الإسلام ليصلح ذلك، ويعيد للعرب إنسانيتهم، ووحدتهم، ودعا إلى الإيمان بالله وحده، وترك الشرك وعبادة الأصنام، ودعا إلى إقامة المجتمع الصالح على أسس الأخوة الإنسانية التى توحِّد الناس برابطة الإنسانية وهى الأساس، ثم رابطة العقيدة والدين لمن دخلوا فى الإسلام، وهى رابطة لا تلغى الرابطة الإنسانية، وإنما ينشء عنها حقوق إضافية، وحرَّم الإسلام العصبيّة القبليّة، والدينية، والعصبيات كلها، وأعلن النبى صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»، «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»، «لا تعودوا بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»، «ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منا من مات على عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، ذروها فإنها منتنةٌ» وكأنه يخاطب عناصر جماعة الإخوان الإرهابية التى تقتل اليوم وتستبيح الدماء عصبية لجماعتهم، وقد قال صبحى صالح أحد قيادات الجماعة معبراً عن هذه العصبية وهو على فراش المرض وأمام جميع وسائل الإعلام: «اللهم أمتنى على ملة الإخوان». وفى حجة الوداع بيّن النبى حرمة الدماء فقال: «أيُّها النَّاسُ، إنَّ دماءَكم وأموالَكم عليْكُم حرامٌ، إلى أن تلقَوا ربَّكم كحُرمةِ يومِكم هذا، وَكحُرمةِ شَهرِكم هذا، وإنكم ستلقونَ ربَّكم، فيسألُكم عن أعمالِكم وقد بلَّغتُ،..... وأن لا فرق بين عربى وأعجمى، ولا بين أسود وأبيض إلا بالتقوى فكلكم لآدم وآدم من تراب».
وفى ظل هذه الأخوّة الإنسانية التى دعى إليها الإسلام، والتى لا تفرق بين إنسان وآخر تحوّل المجتمع فى المدينة إلى جنة محبة ورحمة، بعد أن كانت ساحة مجازر ودماء، وتنبّه يهود المدينة لهذه الوحدة والأخوّة الإنسانية التى صنعها الإسلام فى الجزيرة العربية، وأن امتيازاتهم السياسية والاقتصادية مُهدَّدة بالخطر، فعملوا على إيقاد نار الفرقة والعداوة ليعود العرب فى المدينة كما كانوا كفارًا يضرب بعضهم رقاب بعض، حيث أخرج ابن جرير الطبرى عن زيد بن أسلم قال: مرَّ شاس بن قيس - وكان شيخًا قد عسا فى الجاهلية «أى كبر وأسنَّ»، عظيم الكفر، شديد الكره للمسلمين شديد الحسد لهم - على نفر من الصحابة من الأوس والخزرج فى مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم، وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذى كان بينهم من العداوة فى الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بنى قَيْلة فى هذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ماؤهم بها من قرار. فأمر شابًّا من اليهود كان معه فقال له: اعمدْ إليهم فاجلسْ معهم، وذكّرهم بيوم «بُعاث» وما قبله وهو يوم كان قد اقتتل فيه الأوس والخزرج، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار... وقام اليهودى بالمهمة الماكرة، وتمكّن من إشعال نار العصبية القبلية، فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا، فقال بعضهم لبعض: إن شئتم والله رددناها جذعة «أى شابة فتية» أى الحرب. وتنادوا للقتال: الحرة الحرة وهو اسم المكان الذى كان ساحة لقتالهم، السلاح السلاح. وبلغ النبيَ الأمرُ، فسبقهم إلى الحرة، ووقف خطيبًا فقال: «يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا». فعرف القوم أنها نزغة الشيطان، وكيدٌ من عدوهم فألقوا السلاح، وبكوا، وعانق بعضهم بعضًا، وانصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين، فما كان يومٌ أقبحَ أولاً وأحسنَ آخرًا من ذلك اليوم. ونزل فى هذه الحادثة قوله تعالى من سورة آل عمران آية 100 - 103: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون».
هذا وقد جعل الإسلام من الضروريات الخمس الكبرى له حفظ النفس والذى من أهم وسائل تحقيقه حفظ الدماء، ووردت النصوص الشرعية فى القرآن والسنة تحذر من يتجرأ على قتل النفس، وتنذره بالعذاب واللعن ومنها قوله تعالى فى سورة المائدة آية 32: «أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» وقوله فى سورة النساء آية 93: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»، ومنها ما رواه البخارى عن ابن عمر أن الرسول قال: «لن يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا»، وروى مسلم عن عبدالله بن عمرو أن النبى قال: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم»، وروى الترمذى عن ابن عباس قال: سمعتُ نبيكم يقول: «يأتى المقتولُ متعلقًا رأسه بإحدى يديه، متلببًا قاتله باليد الأخرى، تشخب أوداجه دمًا، حتى يأتى به العرش، فيقول المقتولُ لرب العالمين: هذا قتلنى. فيقول الله للقاتل: تعستَ. ويُذهب به إلى النار»، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو أن أهل السموات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم، لكبّهم الله جميعًا على وجوههم فى النار»، وقال أيضاً: «من أعان على دم امرئ مسلم بشطر كلمة، كُتب بين عينيه: آيسٌ من رحمة الله».
وبالتالى هذه الجماعات المتطرفة المجرمة التى تستبيح دماء الشعب هى فى الحقيقة محاربة للإسلام، ومنفذة لمخططات أعدائه، وحتماً هى من صنع هؤلاء الأعداء، ويصدق عليهم قول الله عز وجل فى سورة المائدة آية 33: «إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، ويجب على الدولة أن تتخذ جميع الإجراءات القانونية، والأمنية، والفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية لمواجهة هؤلاء القتلة فهم يمثلون خطرا على الدين، والدولة، والشعب، ويجب اجتثاثهم من المجتمع، وإن أى دعوة للمهادنة معهم هى خيانة لله، وللوطن، وللشهداء الذين سقطوا بسبب جرائمهم».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed
مقال رائع
مقال رائع بارك الله فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
الامريكاني
الاقوال عكس الافعال تماما
ما تسمعه الاذن عكس ما تراه الاعين