أربع سنوات مرت كلمح البصر. لم أتوقع أن تتحول حياتى من الهدوء والتراتبية الأكاديمية والمهنية إلى فيلم أكشن قلب كيانى رأسا على عقب! لست من المؤمنين أن السياسة لعبة قذرة، وكنت دائما ضد هذا المبدأ، وأن المحك هو معدن السياسى وخياراته الشخصية، ولكن بعد أن عاصرتها بنفسى ودخلت فى دهاليزها شاهدت أقذر أنواع الحروب السياسية وأسفل أنواع البشر. منذ أربع سنوات كنت أعمل فى وظيفة مرموقة كنائب لوزير الاتصالات ورئيس أكبر هيئة لتنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات فى عهد مبارك! وبالمناسبة لقد عينت فى هذه الوظيفة فى 2007 بدون أى واسطة ولا محسوبية ولكن بناء على الكفاءة والسيرة الذاتية العلمية والمهنية، وكان وزير الاتصالات وقتها يريد تعيين مستشارا للتنمية التكنولوجية! وفى هذا الوقت لم يكن لى أى نشاط سياسى فاعل سوى قراءة ومتابعة الصحف المستقلة، وكنت عاشقا للمرحوم مجدى مهنا. عملنا باجتهاد فى هذا القطاع مع وزير كفء ومجتهد جدا هو طارق كامل، ووصلت مرتبة مصر إلى رقم 4 عالميا فى مجال الخدمات وبدأت الاستثمارات تتدفق على مصر فى هذا المجال بسبب تحسن الصورة الذهنية وقناعة المستثمرين بجدوى الاستثمار فى مصر. رغم ذلك كنت مثل ملايين المصريين مقتنعا بضرورة التغيير، وأن مصر تستحق الأفضل وأن مثل هذه الإنجازات ممكن أن تتضاعف وتصل إلى الطبقة المطحونة فى ظل نظام أكثر عدلا وأقل فسادا. فقد حدث كثير من التجريف للوطن كما أشار الرئيس السيسى فى مضمون حواره مؤخرا مع رؤساء الصحف القومية، عندما كان يتحدث عن حتمية رفع الدعم. ولكن انسداد القنوات السياسية وسطوة الحزب الوطنى الحاكم وقتها كانت كفيلة بإجهاض أى تحرك فاعل. ثم جاء زلزال البرادعى فى 2010 «والذى إلى الآن أجندته غربية الهوى وغامضة وغير مفهومة» وكان نقطة تحول فى مسارى الشخصى وبصرف النظر عما وصلت له قناعاتنا عن هذا الرجل الذى انسحب فى وقت قاتل، طاعنا الوطن فى ظهره، كان يمثل لنا وقتها نقطة ضوء لتغيير النظام! وهنا بدأ المشهد الأول من فيلم الأكشن فقد قررت وقتها الانضمام لمطالب التغيير ضاربا بعرض الحائط الوظيفة المرموقة وسلامتى الشخصية وسلامة عائلتى، وقدمت استقالتى فى 2010 لرفع الحرج عن الوزير وقتها.. وبدأ الأكشن فى تهديدات أمن الدولة بالصمت والترغيب والترهيب ودخلت فى شد وجذب مع الوزير وأمن الدولة إلى أن «سرحونى» فى 28 أكتوبر 2010. زوجتى وقتها كانت مؤيدة لموقفى وقالت لى الأرزاق على الله وانتقلت للعمل فى وظيفة متميزة جدا كمديرا للأبحاث فى شركة مايكروسوفت العالمية. ثم حدثت الثورة وشاركنا فيها فى 2011، ورجعت مرة أخرى للوزارة وتركت الوظيفة الأعلى فى الراتب والامتيازات فى الشركة العالمية، قناعة منى أن الوقت حان للبناء على نظافة بعد ثورة يناير، زوجتى كانت معترضة بشدة وبدأ الخلاف بيننا. فرغم قناعتها بموقفى فى 2010 إلا أنها كانت تترجانى للبعد عن العمل العام والسياسة التى تصفها بالمستنقع! وكم كانت محقة وكم كنت ساذجا! وبدأت العمل فى مايو 2011 كرئيس لمركز الإبداع فى وزارة الاتصالات بمنتهى الهمة والنشاط والتفاؤل، ولم أندم للحظة على تركى وظيفتى المرموقة فى مايكروسوفت! ثم بدأ المشهد الثانى من الأكشن والذى لم يكن لدى يد فيه! فتم تكليفى رسميا كوزير للاتصالات فى يوليو 2011 فى حكومة عصام شرف، وتحمست جدا لرغبتى فى نقل أهداف ومبادئ الثورة إلى الجهاز الحكومى والسلطة التنفيذية. واتصلت بزوجتى فى فيينا لأبشرها بخبر الوزارة واندهشت جدا لعدم تحمسها ومحاولة اصطناع البهجة كأنها تدارى شيئا تشعر به.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة