يتوجه الرئيس عبدالفتاح السيسى الثلاثاء القادم إلى جمهورية روسيا الفيدرالية، وهى الزيارة التى تحمل فى طياتها أهمية كبيرة بضخامة حجم الدولتين وتأثيرهما فى المنطقة والعالم أجمع، ولتلك الزيارة طبيعة خاصة، فهى القمة التى تفتح باب التكهنات والتوقعات حول ما يحمله كل رئيس فى جعبته للآخر وحول ما سينتج عنها خاصة بعد ثورة 30 يونيو وموقف الولايات المتحدة والغرب المتعنت منها، مما جعل فى وقتها تنتشر الأقاويل حول توجه مصر 30 يونيو للاتحاد الروسى لتستمد منه الحليف والداعم فى مواجهة الغرب المنتفض ضد الإرادة الشعبية المصرية مدعى التمسك بالشرعية الانتخابية. وتتجلى أهمية الزيارة من الوفد الرفيع المستوى الذى يسبق الرئيس للإعداد لها، الذى غادر إلى موسكو الخميس تمهيدا لاستقبال الرئيس الذى سوف يذهب إلى روسيا بعد زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية وفاء بوعده بزيارتها.
كما تتضح أهمية الزيارة من تصريحات سيرجى ماركوف رئيس المجلس الاجتماعى الروسى للشؤون الدولية، رئيس اللجنة المشتركة لمجموعة العمل فى المجلس الاجتماعى الروسى، وقد أوضح ماركوف فى تصريحات لليوم السابع أن القمة سوف تشهد مناقشة العديد من الموضوعات أهمها التعاون الاقتصادى وتبادل الخبرات بين البلدين بالإضافة للتعاون العسكرى والتقنى، والقضاء على الإرهاب الذى يهدد أمن البلدين. وتربط الصحافة الروسية بين الزيارة المرتقبة والمشروع العملاق «محور قناة السويس» وبين ناصر والسد العالى.
والعلاقات المصرية ــ الروسية ليست وليدة اليوم، أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتى ومصر فى 26 أغسطس 1943.. وتمت الخطوة الأولى للتعاون المصرى الروسى فى أغسطس عام 1948 حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصرى بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتى. وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة كان أبرزها بعد ثورة يوليو عام 1952 حين قدم الاتحاد السوفيتى لمصر المساعدة عند بناء السد العالى، وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها فى فترة الخمسينيات - الستينيات من القرن العشرين حين ساعد آلاف الخبراء السوفيت مصر فى إنشاء المؤسسات ومصنع الحديد والصلب فى حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادى ومد الخطوط الكهربائية أسوان - الإسكندرية. وتم فى مصر إنجاز 97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفيتى. وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينيات بأسلحة سوفيتية. وتلقت العلم أجيال من أولئك الذين يشكلون حاليا نخبة عسكرية متميزة.. ومنها الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
وعلى الرغم من التوتر الذى شهدته العلاقات فى عهد الرئيس المصرى الراحل أنور السادات وانقطاعها تماما حتى سبتمبر 1981 فإنها بدأت فى التحسن التدريجى فى عهد الرئيس مبارك.
معاهدات وبروتوكولات تعاون فى 17 مجالا:
كانت مصر فى طليعة الدول التى أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991. وتتطور العلاقات السياسية على مستوى رئيسى الدولتين والمستويين الحكومى والبرلمانى. وجاءت الزيارة الرسمية الأولى للرئيس مبارك إلى روسيا الاتحادية فى سبتمبر 1997، وقع خلالها البيان المصرى الروسى المشترك وسبع اتفاقيات تعاون. وقام حسنى مبارك بزيارتين إلى روسيا عام 2001 و2006 وأعدت خلالهما البرامج الطويلة الأمد للتعاون فى كل المجالات والبيان حول مبادئ علاقات الصداقة والتعاون.
وقد قام الرئيس فلاديمير بوتين بزيارة عمل إلى القاهرة فى 26-27 أبريل عام 2005. وصدر فى ختام المباحثات الثنائية التى جرت فى القاهرة البيان المشترك حول تعميق علاقات الصداقة والشراكة بين روسيا الاتحادية وجمهورية مصر العربية، والذى يؤكد طبيعتها الاستراتيجية. واتخذت دورة مجلس جامعة الدول العربية فى سبتمبر عام 2005 للمرة الأولى فى تاريخها قرارا باعتماد سفير روسيا فى جمهورية مصر العربية بصفته مفوضا مخولا لدى جامعة الدول العربية.
أصبح موضوع التعاون فى ميدان الطاقة الذرية الموضوع الرئيسى للمباحثات التى جرت فى موسكو يوم 25 مارس عام 2008 بين الرئيسين ديميترى ميدفيديف وحسنى مبارك وأسفرت عن توقيع اتفاقية حول التعاون فى ميدان الاستخدام السلمى للطاقة الذرية.
فى يوم 23 يونيو 2009 جرت فى القاهرة المباحثات بين الرئيس الروسى ديميترى ميدفيديف ونظيره المصرى حسنى مبارك. وتم بعد اختتام لقائهما التوقيع على عدد من الوثائق الخاصة بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين. كما وقع الجانبان اتفاقية حول تسليم السجناء لقضاء محكوميتهم فى الوطن ومذكرة تفاهم بين وزارتى الثروات الطبيعية فى البلدين والبروتوكول حول التعاون فى مجال التلفزة واتفاقية التعاون فى مجال الرقابة على المخدرات وغيرها. وقع رئيسا روسيا ومصر معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين روسيا الاتحادية ومصر. وترسم هذه الوثيقة المؤلفة من 300 صفحة اتجاهات التعاون بين البلدين خلال السنوات العشر القادمة. وبالإضافة إلى ذلك تم توقيع مذكرة التفاهم بين وزارتى العدل فى الدولتين ومذكرة التفاهم والتعاون بين وكالة الأرشيف الفيدرالية الروسية والمكتبة الوطنية المصرية وأرشيف مصر، هكذا فهناك كما نرى بنية أساسية وقانونية للعلاقات بين البلدين فى كل المجالات
من ناصر إلى السيسى:
فجميع رؤساء مصر بداية من جمال عبدالناصر وحتى الرئيس السيسى، قد مروا على روسيا، فالعلاقات المصرية الروسية لم ولن تكون أبدا ظرفية فهى ليست نتيجة دعم روسيا لدولة 30 يونيو، حيث إن العلاقات بين البلدين قد شهدت فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى قمة أوجها، حيث اتجهت مصر يوليو بزعامة الزعيم جمال عبدالناصر إلى روسيا بعدما رفضت أمريكا والغرب مد يد العون للجمهورية الوليدة، فبعدما رفض الغرب إمداد مصر بالسلاح اللازم لتحقيق أحد أهم مبادئ ثورة يوليو وهو بناء جيش وطنى قوى، وبعدما تدخلت الولايات المتحدة لدى البنك الدولى ورفضه إقراض مصر التمويل اللازم لبناء السد العالى، اتجهت مصر للقطب الآخر وهو الاتحاد السوفيتى، الذى أمد مصر بالسلاح فيما يعرف بصفقة الأسلحة التشيكية، وساهم فى تمويل بناء السد العالى بالأموال والخبراء، فكانت روسيا داعما أساسيا لمصر سياسيا واقتصاديا، وقد ساهمت روسيا فى دعم الصناعة المصرية الوليدة آنذاك بالمشاركة فى إنشاء العديد من المصانع.
واليوم وبعد عقود من تحول مصر إلى الغرب، تشاء الظروف أن تجعل من البلدين فى حاجة إلى تقارب، سواء لحاجة مصر إلى داعم بحجم روسيا، أو لحاجة روسيا إلى دعم مصر فى منطقة على وشك الانفجار. مما يجعل من تنشيط العلاقات وتفعيلها أمرا بديهيا.
وتتزايد التكهنات حول ملفات الزيارة، وربما هى ملفات بديهية الطرح عند لقاء رئيسى مصر وروسيا، مثل الاستثمار والتعاون الصناعى والزراعى ودعم السياحة المصرية، وبالطبع التعاون السياسى وتنوع مصادر التسليح المصرية، التى تنتظر بالفعل وصول الأسلحة التى تم الاتفاق عليها فى فبراير الماضى، كما أنه من المقرر أن يجرى البلدان مناورات عسكرية فى مطلع العام القادم، إلا أنه بكل تأكيد أن الأحداث فى الشرق الأوسط سوف تفرض نفسها، فالوضع فى غزة وليبيا والعراق وسوريا ولبنان سوف يكون مطروحا بقوة فى لقاء الرئيس الروسى والزعيم المصرى كما وصفته وسائل الإعلام الروسية.
واللقاء المرتقب بين الزعيمين ليس اللقاء الأول بينهما، فالرئيس الروسى قد استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى فى فبراير الماضى عندما كان وزيرا للدفاع، وهو الاستقبال الذى جعل من المتوقع أن هناك علاقة ناشئة بين الزعيمين ستتخذ شكلا خاصا كتلك العلاقة بين عبدالناصر وجوزيف تيتو، حيث إن فلاديمير بوتين قد رفض استقبال محمد مرسى حين كان الأخير رئيسا لجمهورية مصر العربية، بينما استقبل السيسى بينما كان وزيرا للدفاع.
تبقى أن روسيا «كما أخبرنى أحد الأصدقاء الصحفيين الروس»، لديها أكبر أدوات حفر فى العالم.. وأن محطات التلفاز الروسية بدأت فى التمهيد لزيارة الرئيس السيسى بإذاعة أفلام وثائقية عن ناصر والسد العالى.