هل كل من ارتدى الزى الأزهرى بحكم دراسته فى معاهد أو جامعات الأزهر الشريف ووضع فوق رأسه العمامة يصبح شيخاً، ويعطى لنفسه الحق فى أن يدلى بدلوه فى أمور تخص السيرة النبوية العطرة، بل والتشكيك فى بعض أحكام الدين الإسلامى، وذلك بالخوض فى كتب التراث التى كانت ولا تزال تنقل لنا نفحات ديننا الإسلامى السمح عبر العصور، نقلاً عن السلف الصالح.
بالطبع هذا ليس منطقياً ولن يكون، فليس كل من تعلم فى الأزهر صار شيخاً جليلاً، وليس كل من اعتلى المنبر ليخطب يوم جمعة من حقه أن يخوض فى أى أمر من أمور الدين والدنيا، وطالما أن الأمر على هذا النحو فكيف سمح هذا المدعو «ميزو»، الذى يطلق على نفسه اسم «خطيب التحرير» أن يتحدث بكل هذه «البجاحة» التى تصل إلى حد «الوقاحة» عن صحيح البخارى، وكيف يطاوعه تدينه إن كان حقا يعى جيداً تعاليم الإسلام أن يهاجم كتاب «صحيح البخارى» وطريقة توثيقه للأحاديث النبوية وأفعال الرسول صلَّى الله عليه وسلم، واصفاً إياه بـ«المسخرة»، مشيراً إلى أن البخارى بشر يصيب ويخطئ، وأن الدين لا يكتمل أو ينقص بهذا الكتاب بل ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، حين يسوق مزيداً من الأدلة على صاحب صحيح البخارى بقوله إنه جاء بعد وفاة الرسول بقرنين من الزمان، وهو ليس عربيا بل هو أعجمى، والمساحة الزمنية التى قضاها فى حفظ الأحاديث قليلة جداً، لأنه يقول إنه كان يحفظ ألف ألف حديث أى مليون، وهو غير عربى من بلاد بخاره، ومات عن عمر يناهز 70 سنة.
وهنا أتساءل: ما كل هذا الافتراء على «البخارى» رحمة الله عليه؟ ألم يعلم هذا الرجل الذى يطلق على نفسه «خطيب التحرير» أنه لولا البخارى وكتب السنة لما تعلمنا الأركان الخمسة للإسلام، إذ كيف كان يصلى المسلمون خلال 220 سنة منذ بدء الإسلام وحتى مجىء أصحاب كتب الصحيحين والسنن الأربع، الوارد أنهم كانوا يفعلون ذلك عن طريق السنة الفعلية.
وهنا لى عتاب على الإعلاميين الذين انساقوا وراء فكرة السبق الإعلامى باستضافة هذا الشخص المستفز، والسماح له بالكلام بكل هذا التجاوز الذى يصل إلى حد «قلة الأدب»، وهو يخاطب العلماء الأجلاء، مثلما حدث فى حلقة الإعلامى وائل الإبراشى، التى شهدت ما يشبه «المسخرة»، حينما تجاوز هذا الشخص الذى أساء للزى الأزهرى وهو يخاطب العلماء الأفاضل بكل هذا الانفلات الأخلاقى، حتى إنه لا يعرف أدب الحوار، ولا أدب التحدث مع من يكبرونه سناً، مما يدعونى إلى المطالبة بمنع ظهوره عبر وسائل الإعلام، وحتى لا يكون مثل هذا الظهور وسيلة لأصحاب النفوس الضعيفة للحصول على مكتسبات شخصية من وراء «الشو الإعلامى»، وحتى لا يكون ذلك مبررا للخوض فى أمور تخص الدين فيما بعد.
فحب الظهور الإعلامى والسعى نحو الشهرة هو الذى أعطى «خطيب التحرير» الحق فى أن يُنصّب من نفسه منقيا لكتب التراث، ومدافعا عن دين الله ممن يتسببون فى نشر أفكار خاطئة عن الإسلام على حد قوله، مستندين إلى أحاديث «صحيح البخارى»، كما يفعل هؤلاء القتلة من تنظيم «داعش»، الذين يختارون من كتب التراث وعلى وجه الخصوص «صحيح البخارى» ما يتفق مع أفكارهم من أحاديث نبوية شريفة، ويحرفون معناها بما يقوى من وجهة نظرهم فى القتل والذبح، وكل ما يقومون به من أفعال بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام السمحة.
أعتقد أن الأزهر الشريف وباعتباره المنارة الإسلامية الوحيدة على مستوى العالم الإسلامى، وعلى رأسه العالم الجليل الدكتور أحمد الطيب، لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون له صلة بهذا الشاب الذى أشم فى كلامه رائحة «التآمر الكريهة» على الإسلام، نعم أخطر أنواع التآمر على الدين، وذلك باستخدام أساليب إثارة البلبلة و«اللغط»، وتوسيع دائرة التشكيك فى الثوابت التى نشأنا وتربينا عليها، والتى نستند إليها فى معرفة السيرة النبوية العطرة، وتعاليم ديننا الإسلامى السمح.
كما أننى على قناعة تامة بأن وزارة الأوقاف قد أحسنت صنعاً ببيانها الذى صدر عنها مؤخراً لتوضيح الأمر، والذى كشف للرأى العام أن هذا «الخطيب المزعوم» ليس من موظفيها، ولا علاقة له بالأوقاف من قريب أو بعيد، وهذا ليس جديدا على وزارة يتولاها الدكتور مختار جمعة، المشهود له بالكفاءة العالية فى تحرى الدقة، والسعى نحو الخطاب الدينى المستنير والمعتدل، والحريص على محاربة المشعوذين، وأصحاب الأفكار «الطائشة»، الذين يستخدمون المنابر فى بث أفكارهم المسمومة.
وهنا أتساءل: لماذا ظهر ذلك الخطيب «المشكك» فى هذا التوقيت على وجه الخصوص، ولماذا كلما خطونا خطوات إيجابية إلى الأمام فى مشوار التنمية الشاملة التى تشهدها البلاد الآن تظهر لنا مثل تلك الأفكار المسمومة، وكأنها محاولة لسرقة فرحة المصريين بما يجرى على أرض المحروسة، فالخوض فى الدين بهذا الشكل المسىء يصيب الناس بحالة من الفزع، ويطفئ فرحتهم بأى شىء.
إن هذا الخطيب الذى هو فى الأصل ليس خطيباً ولا علاقة له بوزارة الأوقاف يجب أن يتم وقفه عند حده، والتعامل معه بشدة، وعدم السماح له بتكرار ما فعله من تصرفات تسىء إلى الإسلام، لذا فإننى على قناعة تامة بأن قرار النائب العام المحترم المستشار هشام بركات بالتحقيق معه بتهمة الإساءة إلى السيرة النبوية العطرة كان قراراً صائباً، وجاء فى التوقيت المناسب.