عيش.. حرية.. كرامة.. كلمات انطلقت بداية عام 2011 لتهز أرجاء مبانى ميدان التحرير.. أطلقتها حشود كبيرة آمنت بها.. مجموعة أخرى تاجرت وسيلة لتصبح من أصحاب أرصدة البنوك.. والثالثة اتخذتها "سبوبة".. مجرد طريق إلى مكاسب سياسية.. الجماعة الأخيرة- الأخطر- سرقتها- كما اعتادت تاريخيا مع الأحداث- وارتقتها سلّما لتحقيق حلم مرشدها القديم بالاستحواذ على السلطة. لكن هذه الكلمات لم تُترجم إلى واقع سياسى إلا يوم افتتاح مشروع تطوير قناة السويس.
بدون وضع الصورة داخل إطار يتجاوز حجمها.. السماء لم- ولن- تُمطِر العيش على شباب اكتفى بإطلاق غضبه من على مقاهى وسط البلد.. كما لن ننعم بالفهم القاصر للحرية على طريقة الروسى "تروتسكى" الداعى إلى الثورة العالمية الدائمة, فالحرية والاستقطاب الحاد لا يعيشان على أرض واحدة.. ولا ستتحقق الكرامة اعتمادا على مساندة الدول العربية الشقيقة. يبقى السبيل الوحيد أمام من يحملون هم تحقيق هذه المطالب بجدية استثمار موارد مصر.
منحت القوات المسلحة مهمة الإشراف على مشروع تنمية محور قناة السويس يضمن عدة أهداف.. أهمها الشعور العام أن مجموعة رجال الأعمال تميل إلى فكرة المشاركة فى الاستثمار عبر مختلف مجالات الاقتصاد, أكثر من التبرع نقدا.. بالتالى إشراف مؤسسة وطنية تقوم- عبر تاريخها- على عقائد الجدية وروح الإنجاز السريع كفيل بتبديد أى هواجس – سواء مشروعة أو غير مشروعة- قد تدور فى أذهان هذه الطبقة. أيضا للشباب الراغب فى العمل, وطالما عبر على مدى عشرات السنين عن ضياع فُرصِهِ نتيجة سيطرة مبدأ الوساطة على سوق العمل, يبدو هذا المشروع الضخم بتوفيره أكثر من مليون فرصة عمل, الأقرب تعبيرا عن أحد الحلول الواقعية لصرخة العيش التى أطلقها..على أن يدرك – أيا كانت مشاعره تجاه جيش بلده- أن كلمة "الوساطة" لا تندرج ضمن قاموس القوات المسلحة خصوصا أنها تعمل بعيدا عن ضغوط الدول أو المستثمرين, والدليل الواقعى نجاح كل مشاريع الإنشاء والتعمير التى أقامها الجيش. إشراف القوات المسلحة يُحقق عناصر الطمأنينة لكل الأطراف, كما يقف ضامنا لأهمية الأمن القومى لهذه المنطقة.
واقتصار المشروع على "المظلة" المصرية يدعم "حالات" كررها الرئيس السيسى فى كل خطاباته, مصرا على دفع المصريين نحوها.. إعادة الانتماء, الحس الوطنى, وتنقية المشهد السياسى من آفات الاستقطاب الحاد. كما جاء اختيار توقيت افتتاح المشروع -لحظة اهتمام عالمى وإعلامى - مناسبا لتوجيه رسائل دقيقة المضمون, إلى دول الغرب بحضور ممثلين عن دول الاتحاد الأوروبى وأمريكا, حول ترحيب المشهد السياسى المصرى بالمعارضة مما يدعم الممارسة الديمقراطية, مقابل محاربة مصر كل من يستبيح دماء أبنائها.. وإلى الدول العربية فى تأكيد ترحيب مصر باستثماراتهم على اختلاف مجالاتها.. فى ذات الوقت الذى تسعى فيه إلى بناء ركائز الاقتصاد المصرى اعتمادا على مواردها, بالإضافة إلى أنها سبقت زيارة السيسى إلى المملكة السعودية وروسيا.
التطبيق العملى لثورتين غيرتا الكثير من ملامح الصورة النمطية للعالم العربى, واربكتا العديد من الحسابات العالمية.. يفرض التعالى عن الانحدار إلى قاع جدل حول أفضلية ثورة يناير أم ثورة يونيو, أو غيرها من الأمور الهامشية مثل إعادة إثارة قضايا دينية لمجرد بقاء أصحابها فى دائرة الجدل الإعلامى.. كل هذا سيبعدنا عن طريق ثورة أشعلناها ولم نُحسِن السير فى طريقها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
جماعه سرقت ثورة!!! ... الأمر أبسط من كده - لو يناير ثورة ما كان لهدا السؤال مقام "ثورة ولا مش ثورة؟"