فى الأسبوع الماضى، ظهرت الصحفية "ديما صادق" على شاشات المؤسسة اللبنانية للإرسال مرتدية قميصا كتب عليه حرف "ن"، وبدأت النشرة الإخبارية بقولها "من الموصل إلى بيروت كلنا نون"، فى إشارة إلى ما فعلته جماعة داعش مع مسيحيى الموصل حيث وضعت علامة "ن" على بيوتهم فى إشارة إلى كلمة " نصارى"، وذلك تمييزا لبيوت النصارى "المسيحيين" عن بيوت غيرهم تمهيدا لاقتحامها أو هدمها أو حرقها.
كذلك ارتدت على الهواء الإعلامية العراقية المسلمة "داليا العقيدى" صليبا، تضامنا مع مسيحيى الموصل وأطلقت حملة بعنوان "كلنا مسيحيون" لرفضها عمليات تهجيرهم واستهدافهم. وأشارت فى حديثها مع جريدة النهار اللبنانية الأسبوع الماضى إلى أنها فعلت ذلك لأن التعدد الدينى والطائفى هو ما جعل العراق مهدا للحضارة والعلم والثقافة.. وقالت "أنا إنسانة بسيطة أدافع عن حقوق أبناء وطنى دون مراجعة هوايتهم". وختمت بالقول "ديننا دين تسامح وهذه الفاشية الإسلامية السياسية جعلت المسلمين المعتدلين من أمثالى يخجلون مما يفعله هؤلاء والخوف يدفع بالكثيرين إلى التزام الصمت، وأنا لن أصمت عن هذا الظلم". إلى هنا ينتهى كلام الإعلامية العراقية.
أمام هذه المبادرات التى انطلقت من دول عربية صديقة، كم كنت أود أن تطلق آية جمعية أو مؤسسة أو حزب مصرى مبادرة بهذا المعنى. لأنه فى الواقع "كلنا نون". وكل من ينكر ذلك سيلاقى نفس المصير الذى سيلقاه "نون" الشرق الأوسط من تهجير وقتل وتكفير.. بل ينتظر غير المتضامن مع "نون" مصيرا أكثر غموضا، لأنه على الأقل لن يجد دولا اوروبية ترحب به كما ترحب بـ"نون" الآن.
إذا سمحت الحكومات العربية، ورضى المعتدلون من المسلمين بنفى الـ"ن" ونجحت الجماعات والقوى التى تسعى لذلك، فإن الأمر لن يقف عند هذا الحد، لأن العقلية الإقصائية وشهوة نفى الآخر ستمتد إلى الآخر المختلف فى المذهب، فيصبح الصراع إسلامياً – إسلامياً، ولأن دائرة الإقصاء لا تتوقف لذلك تتسع لتشمل المذهب الواحد.
وهكذا تأكل الشعوب نفسها. وتكتشف أن ما ظنته نعمة تسعى إليها هو نقمة حلت بها. ولعلنا تأكدنا من ذلك بعدما شاهدنا بالصوت والصورة كيف يذبح الداعشيون المتطرفون الآلاف من المسلمين المشتركين معهم فى الدين فى العراق. وكذلك الحال بين المتناحرين فى سوريا وليبيا.
كلنا نون ، الصحفية ديما صادق ، مؤسسة لبنانية