أنا إنسانة وُلدت لأجد نفسى مسلمة لأبوين مسلمين، ولم يكن لى فضل فى اختيار دينى، ولكنى مع مرور السنوات والتجارب والتفكر فى خلق الله أستطيع أن أقول إنى اخترت الإسلام ديناً وعقيدة، رأيت فيه السماحة والراحة والرضا وأشياء أخرى بينى وبين ربى، ورغم محاولات التعلم والقراءة والتفكر، فإننى لا أجرؤ أن أقول إنى أستطيع أن أناطح أصغر طالب علم فى علوم الإسلام، فأنا مهما تعلمت وقرأت ما زلت أجهل الكثير، ويصعب على أحياناً الكثير من فقه الدين وتخصص أهله، وحين يستعصى على أمر فى دينى، أفعل كما أمرنا الله وأسأل من أتصور أنهم أهل الذكر الذين أمرنا الله أن نسألهم إن كنا لا نعرف، وفى ذلك أنا كملايين الملايين غيرى من عامة الناس نفهم العقيدة ببساطة، ونحاول أن نكون مسلمين، أقول نحاول أن نكون مسلمين كما أمرنا الله، ننجح أحيانا ونفشل أحياناً ثم نعود لنحاول وهكذا هى الحياة ببساطة، ولكن لم تعد الحياة بسيطة، فقد طرأت على حياتنا أمور جسام وأحاطت بنا أحداث وتطورات كبرى، داخل مصر وعلى امتداد عالمنا العربى والعالم كله، ووقف بسببها كثير منا فى موقف المراجعة والتأمل والمجاهرة بالنقد لما يستحق النقد فى كل الأوضاع، وارتفعت نبرة النقد بالتالى لما يستحق النقد وربما لا يستحقه، وبالتالى ارتفعت نبرة المطالبة بالإصلاح فى كل شأن، ولم يكن الدين كتفسير وشرح بمنأى عن هذه الأصوات العالية بالنقد، بل ربما كان الصوت الأعلى مطالبا بالإصلاح والتنوير والتطور فى هذا الشأن، فقد تَمَلك البشر التطرف لأسباب كثيرة منها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية، لست فى معرض سردها الآن، وحين يسود التطرف يسود الجهل ولا تعرف أيهما أسبق من الآخر، ثم جاءت فترة حكم الإخوان الذين قالوا إنهم مسلمون، فكان ما كان مما فعلوا مما كان له أعمق الأثر على نفوس الكثيرين خاصة الشباب الغض الذى ارتبطت لديه كلمة الإسلام بأفعال وتصرفات الإخوان، وخرج علينا شيوخ ما أنزل الله بهم من سلطان لتفقد كلمة المشيخة والشيخ احترامها ويصبحوا هم مادة المسخرة الأولى والأقوى على المواقع والشاشات والمقالات، ويصير لدى البعض الدين قرين بهؤلاء ويصير الإلحاد عند بعض الشباب موضة وعند آخرين طريقا للهرب من التطرف، فيصبحوا متطرفين، ولكن فى الاتجاه الآخر، ولا أحد يحرك ساكناً من الجهات المنوط بها ذلك، وعلى رأسها الأزهر الذى تُرِكَ منذ عقود للجمود وأصابه ما أصاب مصر من عطب.
أستميحكم عذرا فى هذه المقدمة الطويلة، ولكنها مدخلنا لحكاية ميزو ووائل والشيوخ، أما ميزو فهو اسم أطلقه البعض تهكما على محمد عبدالله نصر خريج الأزهر، وهو ليس الأول ولا الأخير من بين من يطالبون بتنقية مناهج الأزهر مما علق بها من تعاليم التطرف، ويطالبون بإعمال العقل فى التفسير ويعترض على بعض ما جاء من نقل البخارى لبعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو فى هذا لا ينكر كل ما جاء فيه من نقل، فهو ليس من طائفة القرآنيين الذين ينكرون الحديث برمته، وفى ذلك ما يُرد عليه ويُختلف حوله، وقد استضاف وائل الإبراشى محمد فى مواجهة مع وكيل وزارة الأوقاف والدكتور عبدالله النجار، أحد آساتذة الأزهر فى مناظرة ما هى بمناظرة، يجب أن تكون على الشاشات ولغير المتخصصين، لأنها كفيلة بأن تزيد التطرف سواء فى الشك أو الإلحاد أو الغيرة على الدين والتطرف له، وللأسف دارت مناقشة كانت كحديث الطرشان سواء بالنسبة لمحمد عبدالله نصر أو الشيخين المقابلين له أو المذيع الذى استضافهم، والأهم هو المشاهد، فلا أحد يسمع أحدا ولا أحد يرد على سؤال لأحد، ولكن كل منهم يرغى ويزيد ويشتم ويدعو بالويل والثبور على الطرف الآخر، وكلما طرح محمد نصر سؤالاً صرخ وكيل وزارة الأوقاف دفاعاً عن الأزهر، وكأنه مكان لا يأتيه الباطل من أمامه أو خلفه، وتكالبت الاتصالات هجوماً على المختلف بلا كلمة سوى أنه جاهل ويجب عليه التوبة، أما الإبراشى فحدث ولا حرج، فلا هو أدار حديثا ولا نظم كلاماً ولا فعل شيئاً غير تسخين الصراع الدائر، وقد أتقبل على مضض أو لا أتقبل أسلوب فيصل القاسم، الشهير المعروف بفيصل ولعها، الذى يتبعه الإبراشى كثيراً فى نقاش حول أيديولوجيات سياسية أو خلافات وهمية كنا نشاهدها فى فترة ونضحك منتظرين مَن مِنَ الضيوف سيخلع الحذاء أولاً ليضرب الآخر أو غيره من أفعال عدائية، لكن أن يتم طرح مثل هذه النقاشات بهذا الأسلوب فى هذا الوقت الذى صار التشكك لدى قطاعات واسعة من الشباب أكبر من اليقين هو جريمة بكل المعايير.
هل سأل أو يسأل وائل الإبراشى ومعدو برنامجه قبل البرنامج ما الذى سيستفيد به المشاهد بعد النقاش الذى سنعد له، هل يتساءلون فيما بينهم إن كان ما سيقدمونه مناسبا للزمان والمكان وبأى صورة سيكون؟ بالتأكيد الإجابة لا طويلة وكبيرة.
طيب هل يسأل وائل ومعدو برنامجه أنفسهم بعد البرنامج ويحاسبوا بعضهم البعض ليقولوا لقد أخطأنا تقدير الموقف، وما كان علينا أن نقدم ما قدمناه؟ أنا واثقة أن الإجابة لا طويلة وكبيرة جداً، بل على العكس أتصور أنهم سيهنئون بعضهم البعض بأنهم قدموا حلقة مولعة نار نار يا معلم، ويعودون إلى بيوتهم راضين منتشين وهم لا يدركون أنهم يحرقون الوطن والبشر، ويطردون أعداداً أكبر إلى طريق الكفر والإلحاد.. مهلاً لا تتصور أيها القارئ الكريم أنى من بين هؤلاء الذين يرفضون حديثا أو سماع العوام لأمور دينهم فالأديان كل الأديان نزلت لعوام البشر وليس للشيوخ والقساوسة والرهبان، والدين الإسلامى بالتحديد لا كهنوت فيه، وتساؤلات الشيخ محمد نصر التى طرحها حول بعض الأحاديث فى صحيح البخارى، مما هو منقول عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، كانت ذات وقع، وأنا كقارئة لذات مستفسرة غير متبحرة فى العلم لدى نفس تلك التساؤلات وغيرها، وكان واجبا على الشيوخ الأجلاء الرد ولو على بعضها حسبما يسمح الوقت، بدلاً من اتهام السائل المستفسر بالجهل، ولكنهم ما فعلوا إلا كما يفعل طبيب متعجرف حين يسأله مريض عن مرضه، فيرد عليه: خد الدوا ده وخلاص، دون شرح، وحتى الطبيب المتعجرف لو قبلنا منه هذا التصرف لأنه هو الممارس لمهنته، فلا نقبل ذلك من رجل الدين، لأن فى حالة الدين العوام هم الذين يمارسون الدين تماماً كشيوخهم، وبالتالى يجب أن يستفسروا، ويجب أن يفهموا ليمارسوا طقوس دينهم كما يجب، فحتى الفتوى فى ديننا الحنيف من شروطها الأصيلة أن تكون مسببة للسائل، أما أن يقول من يفتى أفعل كذا وبس، فهى فتوى ليست مقبولة ولا صحيحة.
كتب الدراسة فى الأزهر مليئة بأسباب التطرف قبل أن يتحدث محمد عبدالله نصر، وبعد أن تحدث، كتب التراث التى يتعامل معها البعض وكأنها قرآن مليئة بأسباب التطرف والافتتاء على الله ورسوله والعقل قبل أن يتحدث محمد عبدالله نصر وبعد أن تحدث، وبيان وزارة الأوقاف الذى أعلنته بعنوان ميزو ليس إماماً بالوزارة، ولا يحمل تصريج خطابة، لن يغير فى الأمر شيئاً، فالمصيبة ليست مع ميزو واحد، إنما هناك ملايين من الميزو وهم ليسوا أئمة ولا خطباء ولا يريدون أن يكونوا كذلك، لكنهم شباب ومن عامة الناس ويريدون من يعلمهم صحيح دينهم من القرآن ومن السنة المكملة له، سواء من صحيح البخارى أو غيره.
لقد مللنا من أن نشير ونصرخ ونحذر وننقد وندلل أحياناً الزملاء الإعلاميين لعلهم يتقوا الله فى هذا الوطن وأهله، ويسألون أنفسهم عما يقولون ويفعلون أمام الكاميرات، ولكن لا حياة لمن تنادى، فالمهم أن نعبئ البرنامج وساعات الإرسال والمهم أن نولعها نولعها، تماماً كما مللنا وجفت أقلامنا مطالبين شيوخ الإسلام بأن يتقوا الله فينا وفى دينه، ولكن لا حياة لمن تنادى إلا قليلاً منهم، متناسين أنهم يدفعون الشباب وغيرهم إلى دائرة الإلحاد أو التطرف والحكاية أكبر من ولعة الإبراشى وعمامة ميزو.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
بعض الاعلاميين فاكرين الديمقراطيه ان نمسك فى خناق بعض ونقطع فى هدوم بعض
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
اسلام
مقال محترم
بس للأسف .... بتكلم نفسك
عدد الردود 0
بواسطة:
صفوت الكاشف *
المسائل الفقهية العميقة لا تُناقش هكذا
عدد الردود 0
بواسطة:
هاني وليم
لكن ماذا عندهم