يتراقص البحر أمامى.. يحاول أن يتجسد وكأنه أنثى تخلع أمواج العشق فى كسل فى واجهة الشمس التى أوشكت على الغروب.. يبهرنى هذا المشهد.. لا أستطيع إلا أن أتعبد فى محرابه.. لم أكن أعرف أن الغروب هذا اليوم بهذا السحر والتفانى فى عواطفنا.. لم أكن أعرف أن هذا الغروب سيذوب بقلبى بدفئى وبعقلى وبكل خلاياى. ويعيد إلىَّ أصدقائى وأحبائى، يعيدهم ليس مجرد ذكرى أو صور تتلاحق أمامى.. بل هى واقع أمامى، هم أغلى ما أملك هؤلاء الأصدقاء إنما يشكلون سعادتى وترقبى لغد أجمل.. هم أقوى حافز لاستمرار الحياة.. أغوص فى أحلامهم وأرمى أحلامى فى أسرارهم.. هم يغربلون دائماً كل خفاياى.. ويرسمون فوق رمال البحر أشكال الغد القريب والبعيد.. والله مثلما كنا نرسم عوالم من الأحلام ونحن أطفال نلهو فوق الرمال.. لكنى فى هذا الغروب أجرى نحو البحر وأصارع الأمواج، برغم أنى أخاف البحر ويجرى أصدقائى ويحاولون ألا أنساق وراء دوامات لا يقوى عليها أحد.. لكنى لا أحس بمتعة أكثر من هذا الحنين إلى البحر.. أحس بالتناغم الذى يملأ حياتى.. صفاء البحر ليس مثله شىء.. لعله ينسينى متاعب وأزمات الحياة اليومية.. هذا البحر يغسلنى ويروى ظمأ روحى نحو الصفاء الحقيقى نحو الحب، ويعيد ترتيب المفردات فى ذاكرتى.. ويستحضر لى أصدقائى، الذين ارتبطت بهم وشاركونى أفراحى وطموحاتى لكن هذا الغروب يستعيد أيضاً حقائق تغيرت وملامح كانت ثابتة لم يعد يبقى منها شىء.. فهذا الحب الراسخ العريق لم يعد منه شىء. ذاب فى الرمال. الحب الحقيقى تشتت وانسلخ عن الوفاء.. وتمكنت منه الأكاذيب حتى تحول من كيان شامخ إلى ورق خريف ذابل يتفتت فى أضعف أيدى وبين أصغر أصابع.. البحر الساحر الطاغى يتقلب بأمواجه بين هبوط وصعود.. والحب أمامى أيضاً كذلك.. وأنا فى عرض البحر أتحول بكل كيانى نحو الأفق البعيد، لأشاهد الشمس وهى تختفى بين الأمواج تغرق شيئاً شيئاً.. وفجأة يتحول هذا الأفق إلى مساحة براقة من الذهب اللامع.. ثم فجأة أحس أن القمر يولد.. أراه أمامى يكبر ويلهو ويؤكد لى أن الحياة تستمر ولابد أن تستمر، إنها فلسفة غامضة تتمكن من تغيير مشاعر ليست موجودة. لكن الغروب يحسم كل شىء. ويجعلنى أتساءل: لماذا تغير الحب؟! ولماذا تغيرت المرأة.. لم تعد مخلصة كما كانت.. لم تعد تمتلك فى چيناتها كل أسباب العطاء والوفاء والتفانى.. تحول العطاء إلى جمود.. والمشاعر تتحول إلى نكران. والوحيد الذى لا يتغير هو البحر وسقوط الشمس وميلاد القمر، كل يوم صارت هذه متعتى.. المشهد المعتاد كل غروب.. يرسم كل ملامح الحياة.. ها أنذا البحر يختزلنى فى كلمة.. فى عرض البحر أحس أنى أولد من جديد.. هى أجمل لحظات عمرى أن أرى البحر بطبيعته يلخص كل الأشياء الجميلة.. ويجعلها فى عيونى كنوزاً لا مثيل لها.. وكأنها الرؤيا المستحيلة.. التى تجعلنى فى يقين جديد.. أقسم أن أعيد هذا الحب إلى كيانه فى سابق عهده ،أقسم أن أطارد هذا البحر حتى يتمكن من تغيير كل ملامح سنوات أفسدت صفاء وبراءة الحب الذى كان.. أحتفل كل غروب بانتصارى مع أصدقائى كل أحبائى.. أحتفل ضد كل ما هو سلبى ولإحياء كل ما أغرقه الجحود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة