الوطنية لا تباع ولا تشترى، والإخلاص لتراب الوطن لا يمكن التعبير عنه بالكلام الأجوف الذى تتناقله وسائل الإعلام من أجل تحسين الصورة ومن أجل الظهور الإعلامى وكأنها مناسبة لغسيل السمعة ومناسبة للظهور برداء الوطنية.
أقول ذلك وأنا أتحدث عن صندوق «تحيا مصر» الذى تم تأسيسه بمبادرة شخصية من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى بدأ بنفسه حينما تبرع بنصف ما يمتلك من ثروة ورثها عن والده من أجل دعم الاقتصاد الوطنى الذى وصل إلى مرحلة من التدهور لم تشهدها البلاد من قبل.
صندوق «تحيا مصر» خرج إلى النور بفكرة نبيلة وبهدف يتسم بالرقى، فمن لديه القدرة عليه أن يعطى لمصر ولو جزءا ضئيلا مما يمتلكه، ويوما بعد الآخر بدأت المساهمات فى الصندوق، وكان لافتا للنظر أن الغالبية العظمى من المتبرعين للصندوق كانوا من الفئات التى لا تمتلك ثروات كبيرة فقد تبرع أفراد من القوات المسلحة ومواطنون عاديون ومن جهاز الشرطة وبعض المؤسسات والهيئات والوزارات فكانت النتيجة حصيلة لا تتجاوز 2 مليار جنيه بما فيها حصيلة «صندوق دعم مصر 306306» وهو رقم مخيب للآمال، فمن المؤسف حقا أن يختفى رجال الأعمال من المشهد باستثناء بعض رجال الأعمال الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، فأين من غرفوا من خير البلد لسنوات وسنوات وظلوا يحصلون على الاستثناءات والهبات من الدولة لتتضخم ثرواتهم وتمتلئ خزائنهم بالأرباح التى حققوها على حساب البسطاء من أبناء هذا الشعب؟
لذا فإننى أطالب السيد الرئيس أن يضع هؤلاء المتخاذلين من رجال الأعمال فى أحجامهم الطبيعية وألا يتم دعوة أى رجل أعمال للجلوس إلى طاولة الحوار مع الرئيس إلا من يكون على نفس القدر من الوطنية والشفافية التى يتمتع بها الرئيس.
ألم يحن الوقت لكى يعى هؤلاء المتاجرون بوطنيتهم الزائفة بأن الوطنية الحقيقية ليست مجرد الظهور فى مقابلات تليفزيونية أو فى تصريحات صحفية تحتوى على شعارات جوفاء يحققون من خلالها «الشو الإعلامى» وكأن تلك المبالغ الضئيلة التى يتبرعون بها مجرد منحة يقتطعونها من أرزاقهم؟ أعتقد أن ما تبرع به رجال الأعمال حتى الآن لدعم صندوق تحيا مصر لا يمثل نقطة فى محيط ما يمتلكونه من أموال وممتلكات جمعوها بـ«لوى الذراع» من الدولة فى عهود سابقة كان لرجال الأعمال دلال على النظام وسطوة على صانعى القرار، فصدرت لهم قوانين «تفصيل» ساعدتهم على تكوين تلك الثروات التى تراكمت على مر السنين إلى أن فاقت المليارات، صحيح أن بعضهم حققها بالكد والعمل الجاد ولكن الغالبية العظمى من هؤلاء رجال الأعمال الذين أعنيهم فى قولى تمكنوا من جمعها فى غفلة من القانون وفى غفلة من الدولة التى كانت مشغولة آنذاك بأشياء أخرى.
إن الرئيس السيسى حينما أنشأ هذا الصندوق كان يهدف إلى جمع 100 مليار جنيه سيتم توجيهها بشكل مباشر لتحقيق تنمية حقيقية تضيف للاقتصاد المصرى الكثير والكثير، ومن خلال متابعتى لما يقوم به رجال الأعمال خلال الفترة الأخيرة للضغط على الدولة وصانع القرار من أجل الحصول على مكتسبات شخصية واستثناءات خاصة مقابل التبرع لصندوق «تحيا مصر» فإن ذلك يدفعنى إلى القول إنه يجب ألا تعول الدولة على التبرعات المنتظرة من رجال الأعمال والأثرياء المقتدرين، فالدور الاجتماعى لرجال الأعمال لابد أن يكون نابعاً من قناعتهم الخاصة وأن يكون كل منهم يومن إيماناً مطلقاً بأن قيامهم بهذا الدور واجب وطنى هناك العديد من الدول الرأسمالية ذاتها تأخذ حقوقها كاملة من خلال الضرائب التصاعدية التى تصل فى أمريكا على سبيل المثال إلى %45 كما تصل فى دول أخرى إلى %60 من الدخل دون اتهام لهذه النظم بتعطيل آليات السوق.. فى حين نجد القيادة السياسية لدينا تتعامل مع الأمر بتحضر ورقى، حيث تخاطب الجميع بالتبرع للصندوق طواعية اعتماداً على أن الشعب المصرى لم ولن يخذل مصر فى أوقات الشدائد.. فأنا على يقين من أن أى رجل أعمال يتخاذل ويتأخر عن التبرع لصندوق تحيا مصر فإنه يسىء إلى نفسه قبل أن يخذل الشعب أو الرئيس الذى يسعى جاهداً من أجل تحقيق مستقبل مشرق للأجيال القادمة.
أعلم جيداً أن ما أكتبه عن رجال الأعمال «المتهربين» من صندوق تحيا مصر قد يغضب البعض ولكن يشهد الله أننى لم أكتب هذا إلا من منطلق غيرتى على الوطن الذى منحنا الكثير والكثير، ولا أخشى فى الله لومة لائم فإننى عاهدت الله عز وجل على الاستمرار فى الكتابة دون توقف عن رجال الأعمال الذين يتعالون على البلد الذى شربوا من نيله وعاشوا على أرضه وحققوا ثرواتهم من خيراته.
وأقولها وبأعلى صوت، إننى أعرف تلك الفئة من رجال الأعمال بالاسم وسوف أتحدث عنهم واحداً تلو الآخر فيما بعد فى مقالات قادمة بإذن الله علماً بأننى ضد ما يسمى بـ«القائمة السوداء» التى تضم أسماء رجال الأعمال الذين لم يتبرعوا لصندوق تحيا مصر حتى الآن والذين كانوا قد «صدعونا» من قبل بأحاديثهم عن الوطنية وعن تبرعاتهم التى قدموها لمصر فى فترات سابقة علماً بأنهم لم يقدموها دون مقابل حيث حصلوا مقابلها على الكثير من الامتيازات التى ترجموها فيما بعد إلى أرقام مالية فى حساباتهم بالبنوك المصرية وغير المصرية.
نعم أنا أرفض أسلوب القوائم السوداء لأننى مؤمن بمبدأ الشفافية فى التعامل مع هذا الموضوع، لذا يجب على مؤسسة الرئاسة أن تعرض على الشعب وبشكل دائم قيمة التبرعات وأسماء رجال الأعمال الذين يقدمون تبرعاتهم بشكل حقيقى دون الاعتماد على أساليب «اللف والدوران» التى يجيدها ويعتمد عليها الكثير من رجال الأعمال، حيث نرى بعضهم يقدم تبرعه فى أشكال عينية قد لا يتم الاستفادة منها، على الرغم من أننا فى أمس الحاجة إلى التبرع بمبالغ مالية توفر السيولة اللازمة للإنفاق على المشروعات القومية العملاقة التى تجرى الآن على أرض مصر.
يا سادة.. مصر تغيرت والدولة لم تعد كما كانت من قبل تدار لحساب «شلة» من رجال الأعمال المنتفعين، نعم الدولة القوية لم يعد فى مفرداتها معنى لكلمة «ضغوط» ولم تعد تعترف بما يسمى بـ«الابتزاز» وأساليب «لوى الذراع».. لذا فإننى على يقين بأن رجال الأعمال ما يزال أمامهم متسع من الوقت للتعبير بشكل حقيقى عن وطنيتهم والتأكيد على أنهم يقدمون تبرعاتهم للوطن دون انتظار أى مقابل من الدولة لأن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء بأى حال من الأحوال.
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed ali
فرض نظام ضريبي مناسب هو الحل !