من شاطئ نيويورك لبحر جبل طارق، ومن شمال مصر حتى جنوبها، التقيت بمصريين شتى، مسلمين ومسيحيين.. بحاروة وصعايدة، والسؤال المتكرر: السيسى هايعمل إيه وناوى على إيه؟ وكالعادة أعيد السؤال على السائل: انت عاوز منه إيه؟ والإجابة المشتركة: عاوزينه يبنى مصر، عاوزين بلدنا تبقى أحسن بلد زى ماوعدنا، قد الدنيا.. طيب إيه دوركم؟الراجل قال: أنا مش هاعمل حاجة لوحدى، ويكون الجواب، خصوصا على لسان من التقيتهم بالخارج: اللى يأمر بيه، قولولنا واحنا ننفذ، إذن اللحظة الراهنة مواتية جدا لاستدعاء الوطن والكل فى واحد.. فقط نريد الخطط والاستراتيجيات وأدوات وآليات العمل، سألنى أحدهم، هل يعمل المحيطون بالسيسى بنفس حماسه ووطنيته؟ قلت أظن ذلك، فألقمنى حجرا وقال: غير صحيح، انظر للسفراء والقناصل ستجدهم يعملون بنفس منهج مبارك.. ليس فى الإمكان أبدع مما كان، انظر للمسؤولين فى المؤسسات الحكومية والمحافظين، لا شئ تغير، وحكى لى تجربة الاستثمار فى مصر والعراقيل والرشاوى والروتين الذى دفعه للذهاب لدبى وإقامة عدة شركات هناك، بمجرد أن أرسل لهم عن نيته فى الاستثمار، وهو مقيم فى أمريكا، لم يكفوا اتصالات به وأنجز كل أوراقه فى ساعة زمن، وأصبح مستثمرا وكل الأوراق بالمراسلة، ثم شباك واحد أنجز منه كل ما يريد و لا فساد ولا وساطة ولا رشاوى ولا تزبيط ولا درج مفتوح أو مقفول، إذن ماذا نحتاج؟ لقد قلتها للرئيس فى لقاء الإعلاميين: انت محارب، تعمل بروح المحارب، وهذه الروح لا تتوفر فى الجهاز التنفيذى للدولة، هذه الروح تغمر البسطاء من المصريين الذين منحوك توكيل الثقة ومنديل الأمان، كأنك سعد زغلول أو الشاطر حسن، يتصورون أن معك العصا السحرية، ويتحملون ظلمة الليل وقطع الكهرباء، ويلعنون مرسى ولديهم طاقة لم تنفد لتكملة المشوار معك، لكن البسطاء فى بلادى يتهامسون ويثرثرون عن كشف حساب الفساد، المليارات التى نهبها بيزنس عائلات مبارك ثلاثين عاما، وشبكة المصالح التى تحرك هؤلاء وتجمعهم، معظمهم أعلن أنه مع السيسى، وقلبه يحب السيسى، لكن ماذا قدم لمشروع السيسى وللوطن، لا شىء، وصندوق تحيا مصر يصرخ للعيان، بضعة ملايين من هذا أو ذاك لا تسمن من جوع.. المشوار طويل والخزانة خاوية، ومصر لن تبنى بثقافة التسول ولا قروض الغير، مصر تحتاج جرد حساب، حاسبنى واحاسبك. فى أمريكا الدولة شريك للمواطن، فيما يكسبه أربعين فى المائة، وطالع للخزانة طبعا، يشعر المواطن بمردود ذلك فى الخدمات وجودة الحياة والشفافية فى كل شىء، رجال الأعمال عبر إعلامهم الخاص وصحفهم يحذرون من لهجة الحكومة، ويبثون مخاوفهم من نبرة الفرض أو الإجبار، رغم أن المسؤولية الاجتماعية فرض عين على أصحاب الأعمال فى أعتى النظم الرأسمالية، ولكن للأسف نظام مبارك دلل رجال الأعمال، وخلق بيزنس الشلة والعائلات، وزواج السلطة بالمال، وفى سنواته العشر الأخيرة خلق زواج المال بالإعلام، وكان الهدف وجود رديف لإعلام الحكومة يعطى مساحة زائفة وديكورية للحرية، بينما يساند مبارك ونظامه وحزبه، وبعد يناير سقط ومات إعلام الحكومة إكلينيكيا، وبقى إعلام المصالح إلا من رحم ربك، لقد وجدنا منع برامج على الهواء، وتصفية حسابات بين لوبيات متصارعة، وصوت الوطن خافت، والحل الذى لا حل غيره أن يعود إعلام الدولة المنزه عن التربيطات والبيزنس، السيسى قابل الإعلاميين وتركهم لضمائرهم والتجارب تقول: إن الضمير مكون هلامى يحركه الهوى، ونحن مقبلون على حرب أكثر شراسة، دول عديدة لا تريد لمصر النهوض وخططهم معلنة وخفية، ولابد أن نكون فى المواجهة، ونحافظ ونقوى هذه الروح القتالية فى البناء والدفاع. استحضار الخطر كما قال السيسى والوعى بأدوات المواجهة يستلزم استحضار وحضور الأدوات، لذلك لا مناص من إعلام الدولة أو الوطن، أما ترك الخيار على الإعلام الخاص، فلن يجدى سبيلا، لأن الإعلان هو المحرك له، فضلا على أجنداته الخاصة، حتى لو أنكر البعض ذلك، مصر تحتاج مشروعا ثقافيا وفكريا مواكبا لأحلام الرئيس، وملهما له وأداة وآلية هذا المشروع هى الإعلام، لأنه سيضخ خطابا تعليميا ودينيا تنويريا، يكون منارة ونبراس المجتمع وقاطرته نحو تحقيق الأحلام الكبرى، بغير ذلك سنكون كالسفينة التى تتجه نحو الميناء فى عواصف وثليج، وربما لا قدر الله تتحطم قبل بلوغ غايتها وهذه رسالة للربان من ركاب السفينة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة