فى حوار طويل ومهم نشر الأهرام أمس على صفحة كاملة، اللقاء الذى أجراه كل من: الشاعر الموهوب الصديق إبراهيم داود، والصحفى الكبير الأستاذ خالد السرجانى مع الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة، وقد تنوعت الأسئلة وتشعبت حتى غاصت فى عظام مشكلات الثقافة المصرية والعربية، ولأن الدكتور جابر رجل يتكئ على تراث معرفى غزير، وينحاز انحيازا تامًا إلى حرية الفكر والإبداع، فقد أجاب بصراحة لافتة عن كل الأسئلة مهما كانت حرجة وشائكة.
سأتوقف هنا عند سؤال بالغ الأهمية طرحه المحاوران وهو: «لماذا لم تفكر فى إنشاء مطبوعة مركزية فى مصر معنية فقط بالثقافة العربية؟»، أهمية السؤال تكمن فى أن الثقافة العربية جزء أصيل من الثقافة المصرية، الأمر الذى يحتم على مصر بوصفها الشقيقة الكبرى أن تسهم بنصيب كبير فى إثراء الثقافة العربية وتعزيزها، وقد فعلت ذلك طوال القرن العشرين، وكم كانت دهشتى بالغة حين اكتشفت أن هناك عددًا لا بأس به من مثقفى الإمارات والكويت يحتفظون بأعداد مجلة الرسالة التى كان يصدرها أحمد حسن الزيات فى ثلاثينيات القرن الماضى، وأذكر أن أحد كبار مثقفى الإمارات أخبرنى بأن المجلات الثقافية المصرية كانت تصل إلى دبى فى الخمسينيات، وكان يحرص على اقتنائها والاطلاع عليها.
إذن.. إصدار مجلة ثقافية مصرية ذات نزعة عربية أمر بالغ الضرورة، خاصة فى ذلك الزمن البائس الذى تعرضت فيه بلدان عربية إلى كوابيس مريعة بسبب سيطرة جماعات تخاصم العصر على مقدرات الأمور فى تلك البلدان «العراق/ سوريا/ ليبيا»، وهذه البلدان أنجبت العديد من المثقفين المتميزين الذين يكابدون الأمرين هناك، وليس سوى مصر من تستطيع إعادة الاعتبار للثقافة العربية وللمبدع العربى.
إن كل الدلائل تشير إلى أن إصدار مطبوعة عربية ناجحة مشروط بكفاءة رئيس تحريرها وبتوفير المال اللازم للإنفاق عليها، ولنا فى تجربة مجلة العربى الكويتية ودبى الثقافية الإماراتية أسوة حسنة.
يا دكتور جابر.. لعلك أدرى الناس بحاجة مصر والعرب إلى ثقافة جديدة تحترم العقل وتمجد الحرية، فلا تحرمنا من مجلة جديدة تسهم فى إشاعة هذه الثقافة.