كلما مضت السنوات، وأصبح العمر معظمه فى خبر كان، والقليل الذى تبقى مجهولاً يؤرق نفوسنا الحائرة، فى تلك المنطقة من الحياة حيث لا يمكن لنا أن نهرب من المواجهة، مع كل ما فعلناه فى الماضى، فى هذه المنطقة لابد أن تأتى من قلب الصوت، لحظة المواجهة الحقيقية مع النفس.
يبدأ الإنسان ساعتها رحلة المواجهة التى لا محيص عنها، فيبدأ باستدعاء ذكريات الأمس القريب والبعيد. ويشاهد بعينى الخيال، شذرات من حياته الماضية، كيف فتح عينيه لأول مرة على الدنيا؟ كيف نبض القلب منه بأحلام الجمال والحقيقة والحب والحرية؟.
ويمضى شريط الذكريات..
ويرى الإنسان نفسه التى كانت، بحماسة وفتوة الشباب، والإحساس الخادع بأن فى إمكانه أن يقتلع الدنيا بمن فيها من جذورها.. ويرى نفسه فى صراعات الحياة روحاً بائسة ساذجة. تتحمل خطايا الآخرين قبل أخطائها. وتكتشف بالنهاية خدعة النبل والفروسية. أمام جحافل المادية والنفوس الصغيرة. ودنيا أقوياء العضلات الذين لا يعرفون كلمة الرحمة ولا كلمة الإنسانية.
ويكتشف الإنسان فى هذه المواجهة كيف أخطأ. ومتى أخطأ. وبآى صورة استغل الآخرون من حوله هذه الأخطاء. وبدلاً من تضميد الجراح. كانوا يغمدون السكين فيه أكثر.
ويرى الإنسان فى شريط ذكرياته كبواته وسقطاته. دون أن يحاول تبريرها أو الدفاع عنها. يراها أمام عينيه كما يرى الحقيقة المجردة. فيعرف أنه لم يكن أبداً أفضل من غيره. وأنه ليس من حق أحد أن يحكم على أحد. وأن كل إنسان فى هذه الدنيا له أسراره وأخطاؤه وخطاياه الخاصة، يبقيها أو يجتهد فى إبقائها طوال سنوات العمر. سراً مخيفاً فى خزانة الصدر!
وتتصاعد مواجهة الإنسان مع نفسه..
وتتداخل أفعاله الصائبة مع أعماله السيئة كما تتجمع تفاصيل الصورة حتى تكتمل. الحب إلى جوار الكراهية. الإخلاص إلى جانبه الخداع. الحقيقة يقف أمامها السراب!
ولا تنتهى المواجهة..
طالما أن أنفاس الإنسان مازالت تتردد فى الحياة.
فيطلب فى نفسه السماح ممن أخطأ فى حقهم. والغفران لمن أخطأوا فى حقه. يرتفع فوق أحاسيس الغضب والكراهية. وتخلو نفسه من شوائبهما. كمن يغتسل من أوساخه. ويعود ناصعاً خاشعاً رأسه نحو الأرض!
ساعتها..
يكون الإنسان قد استعد للرحلة الأخيرة!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة