قبل أيام صدر شعر محمد صالح رحمة الله عليه كاملا عن هيئة الكتاب، وهو خبر سار لعشاق الشعر والشاعر، ديوانه الأول «الوطن الجمر» صدر سنة 1984، جمع فيهما كتبه فى السبعينيات، كانت قصيدة الرواد تتراجع، وكان نفوذ شعر أمل دنقل هو المسيطر، شعراء السبعينيات احتكروا الحديث عن الشعر، وشكلوا ميليشيات شعرية استبعدوا منها محمد صالح وفريد أبوسعدة ومحمد ناجى وغيرهم من الشعراء الذين استلموا الراية من سابقيهم، أشار الديوان إلى موهبة صادقة، كان ديوانا غنائيا بامتياز، صاحبه يمتلك لغة عريقة ورشيقة، ويبحث عن مكان يخصه على خريطة تشابهت الأصوات فيها.
كان الديوان متداولا على نطاق ضيق، وعندما عاد محمد صالح من السعودية منتصف الثمانينيات بعد تجربة مريرة، وجد شبابا يقدرون موهبته، كنت منهم، سرعان ما انخرط فى الحياة العامة وانحاز للتجمعات الهامشية التى تنتج شيئا مختلفا عن السائد، فى مطلع التسعينيات، وبعد هزيمة قصيدة الرواد بسبب الحرب وانهيار الاتحاد السوفيتى، نجحت قصيدة النثر فى جذب أصوات كثيرة نقية إليها، وصدرت مجلات تحتفى بها مثل، الكتابة الأخرى والجراد والفعل الشعرى، وبدأ النقد يعترف بها رسميا، فى البداية تأمل صالح الظاهرة بريبة، وبطريقته المحببة فى تقصى الأمر، ورغبته الحقيقية فى التواصل، استطعمها وبدأ فى كتابتها، وفى 1992 صدر ديوانه الثانى «خط الزوال»، وكان عبارة عن جزئين، الأول يودع به عالم التفعيلة ويكشف فيه عن مهاراته الإيقاعية، والثانى يتحسس خطواته مع الشكل الجديد، كان انحيازه للشعر الجديد مفاجأة سارة للشباب، وبدأ مشروعه الكبير.