أولا: أبناء المحروسة يتطلعون منذ سنوات طويلة إلى إطلاق مشروعات طموحة، لكن أخشى أن يؤدى الإكثار فى هذه المشروعات إلى نتائج سلبية، لقد أطلقنا مشروع قناة السويس الجديدة، وأعلنا عن المشروع القومى لشبكة الطرق بطول 4400 كيلو متر، وتوسعات فى مترو الأنفاق والسوبر ترام، واستئناف العمل فى مشروع توشكى، واستصلاح أربعة ملايين فدان، وتنفيذ استراتيجية تطوير التعليم الأساسى، وكل هذه المشروعات مهمة وعظيمة، لكن ليس من المنطقى العمل فيها دفعة واحة أو بالتوازى، بالرغم من عدم توافر الموارد علاوة على عدم إجراء دراسات جدوى كافية أو حوار مجتمعى حول هذه المشروعات.
ثانيا: عدم توافر الموارد له أكثر من عنوان، أهمها حصيلة صندوق «تحيا مصر» الذى لم يجمع حتى اليوم أكثر من 10 مليارات جنيه، بينما المطلوب 100 مليار، لذلك لابد من حث رجال الأعمال وأغنياء المصريين - وهم كثيرون- على التبرع، إضافة إلى تطوير منظومة الضرائب وزيادة الضريبة على الأرباح الرأسمالية لتصل إلى %40 كما هو الحال فى كثير من الدول الرأسمالية.
ثالثا: هناك مشروعات قومية كبرى تتعلق بتنظيم بيروقراطية الدولة وتحديثها وتحديث منظومة القوانين، وأعتقد أن هذه المشروعات قليلة التكلفة للغاية ومردودها الاقتصادى والاجتماعى سريع وكبير، ومن هذه المشروعات إجراء مصالحات مع المخالفين للمبانى على الأرض الزراعية وفى المدن يعود بحصيلة تتجاوز الـ100 مليار جنيه، وتبسيط إجراءات تسجيل الثروة العقارية، ما يؤدى إلى تحقق زيادة كبيرة فى موارد الدولة، علاوة على إدخال الثروة العقارية ضمن منظومة الرهن العقارى والأنشطة البنكية، وقد أطلعنى صديقى شيرين نور الدين، المحاسب القانونى والخبير المالى، على كتابات هيرناندو دى سوتو Hernando De Soto الذى يربط نجاح التنمية بإدماج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى من خلال تبسيط إجراءات تسجيل الثروة بأنواعها، كما يربط دى سوتو بين إجراءات تسجيل الثروة والديمقراطية، فكلما كانت تلك الإجراءات بسيطة وسريعة، فإن ذلك مؤشر على وجود دولة رشيدة ديمقراطية.
رابعا: حفاوة الإعلام الحكومى والخاص بهذه المشروعات والتهليل والتطبيل لها لا يعنى أننا بدأنا فعليا، وعلى القائمين على الإعلام تذكر أن واجبهم هو مناقشة هذه المشروعات، وإبراز إيجابيات وسلبيات كل مشروع، والبحث فى إمكانيات وشرط نجاح كل هذه المشروعات العظيمة، أى إدارة تنظيم حوار مجتمع يسمح بتداول المعلومات والتعبير الحر عن كل الآراء بما فى ذلك آراء المعارضين.
خامسا: استمرار أزمة انقطاع الكهرباء، وعجز الحكومة عن علاج الأزمة، سواء بحلول سريعة أو خطط قصيرة الأجل يبدد ثقة أبناء المحروسة فى قدرة الحكومة على تنفيذ المشروعات القومية العملاقة، كما يقلص من مصداقية الإعلام الرسمى والخاص الذى لا يركز على معاناة المواطنين من انقطاع الكهرباء والمياه.
سادسا: الحديث والعمل فى المشروعات القومية الكبرى فضح الأحزاب السياسية بلا استثناء، فكلها مشغولة بتحالفات انتخابية انتهازية وهشة، ستأتى فى الأغلب بنتائج بائسة تماما كحال أحزابنا ونخبتنا السياسية، التى انفصلت عن الواقع، وناضلت فى الصالونات بحثا عن مقاعد هنا وتحالفات هناك، وبالتالى لم تشارك فى مناقشة المشروعات القومية أو إبداء وجهة نظر متماسكة فيها، والمفارقة أن نتائج الانتخابات البرلمانية محسومة من الآن لصالح المستقلين، أما الأحزاب فتظل مجرد منتديات لنخبة سياسية طاعنة فى السن والفكر، وعاجزة عن فهم الواقع والتعامل معه بفاعلية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة