- إن من أخطر الأمراض التى شاعت فى مجتمعاتنا الإسلامية، وشوهت حياتنا الفكرية «وباء التكفير» ذلك الوباء الذى انطلق من تحت عباءته جماعات التطرف والغلو والإرهاب، وجعلته ذريعة لارتكاب جميع جرائمها ضد البشرية، وعلى الرغم من تصدى القرآن والسنة النبوية لهذا الوباء إلا أن جماعة الإخوان ومفكريها وعلى رأسهم مؤسسها حسن البنا، وشيطانها الأكبر سيد قطب - صاحب كتاب «معالم فى الطريق» الذى يعد المرجع الرئيسى للمتطرفين والإرهابين حول العالم - قد استخدموا سلاح التكفير لتحقيق مخططاتهم ومواجهة من اعترض طريق الجماعة فى الوصول إلى السلطة، إن تكفير السلطة والمجتمع هو مبرر مقنع لشباب الجماعة أولاً: لوجود الجماعة من الأساس ككيان مستقل داخل المجتمعات الإسلامية وأنها وحدها الموكول إليها الدفاع عن الإسلام، وثانياً: هو مبرر أيضاً لسعى الجماعة المحموم فى طلب السلطة باعتبارها وسيلة لتمكين الإسلام، ثالثاً: اتخاذه ذريعة للفتك بأى شخص أو جهة تقاوم ذلك من منطلق الدفاع عن الإسلام.
- حيث يقول سيد قطب فى كتابه «معالم فى الطريق» مبيناً معتقداته الفاسدة: «إن وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة.. فالأمة المسلمة ليست أرضاً كان يعيش فيها الإسلام، وليست قوماً كان أجدادهم فى عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامى.. إنما الأمة المسلمة جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامى.. وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعاً.. ولذلك فالمسألة فى حقيقتها هى مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية وإسلام، وهذا ما ينبغى أن يكون واضحاً.. إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون هم يحيون حياة الجاهلية.. ليس هذا إسلاماً، وليس هؤلاء مسلمين، والدعوة الآن إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهليين إلى الإسلام، ولتجعل منهم مسلمين من جديد» هكذا حكم هذا الشيطان سيد قطب - الذى أثبت كتاب البروج المشيدة تجنيده لصالح المخابرات الغربية - على الأمة كلها حكّاماً ومحكومين بالكفر والشرك والجاهلية.. ونفى عن الأمة الإيمان والتوحيد والإسلام، وأعلن أن ميدان الجهاد الأول هو اقتلاع قيادات الأمة التى اعتبارها كافرة، واستبدالها بالنظام الإسلامى ومن هنا تكون الانطلاقة، واعتبر أن مقاومة أعداء الأمة ليس أولوية الآن حتى تطهر الأمة نفسها من الكفر كما يزعم، ولعل هذا ما يبرر أن جماعات الإرهاب أمثال داعش والقاعدة والإخوان توجّه إرهابها للمجتمعات الإسلامية ولا تتحرك ضد أى دولة من الدول التى تعتدى على الأمة وفى مقدماتها إسرائيل، ولقد لقى هذا الفكر المنحرف ترحيبا من قبل المرشد والنخبة العليا فى جماعة الإخوان، وقد أُسند إلى سيد قطب مهمة التثقيف والتنشئة والتربية الدينية لشباب الجماعة فتربى أجيال داخل الجماعة على هذه الأفكار التكفيرية، وصدق الخليفة الراشد عمر الفاروق رضى الله عنه حيث قال: «ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه، ولا من فاسقٍ بينٍ فسقه ولكنى أخاف عليها رجلاً قد قرأ القرآن حتى أذلقه بلسانه، ثم تأوله على غير تأويله».
- ونؤكد أن هذا الفكر التكفيرى لا يتفق أبداً مع صحيح الإسلام الذى عبر عنه القرآن والسنة النبوية والذى يجرم التكفير، ويمنع المسلم من إعطاء نفسه الحق فى الحكم على الناس بصورة عامة أو التدخل فى معتقداتهم بشكل خاص، يقول الإمام محمد عبده فى بيان ذلك: «إن الله لم يجعل للخليفة ولا للقاضى ولا للمفتى ولا لشيخ الإسلام أدنى سلطة على العقائد وتقرير الأحكام، ولا يسوغ لواحد منهم أن يدعى حق السيطرة على إيمان أحد أو عبادته لربه أو ينازعه طريق نظره، فليس فى الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الخير والتنفير عن الشر، وهى سلطة خولها الله لأدنى المسلمين، يقرع بها أنف أعلاها، كما خولها لأعلاها يتناول بها أدناها، وليس لمسلم - مهما علا كعبه فى الإسلام - على آخر - مهما انحطت منزلته فيه - إلا حق النصيحة والإرشاد، ولقد اشتهر بين المسلمين وعُرف من قواعد أحكام دينهم أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر»، وقال حجة الإسلام أبوحامد الغزالى: «إنه لا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة.. وينبغى الاحتراز من التكفير ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلا، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، خطأ، والخطأ فى ترك ألف كافر أهون من الخطأ فى محجمة من دم مسلم - أى إحداث جرح صغير لمسلم -».
- وجاء فى الحديث الذى رواه مسلم وغيره عن أسامة بن زيد قال: «بعثنا رسول الله فى سرية، فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع فى نفسى من ذلك، فذكرته للنبى فقال: أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفاً من السلاح، قال صلى الله عليه وسلم: أفلا شققت عن قلبه لتعلم أقالها أم لا؟ فما زال يكررها على حتى تمنيت أنى أسلمت يومئذ»، يقول الإمام النووى فى شرح الحديث: «إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه»، ولذلك وضع العلماء قاعدة عظيمة شريفة، فى هذا المجال هى: «أنه لا يُكفّر بالمحتمل لأن الكفر نهاية فى العقوبة فيستدعى النهاية فى اليقين ولا يقين مع الاحتمال»، وكنا قد أكدنا فى المقالات السابقة أيضاً أنه لا يوجد فى الإسلام استباحة لحرمة وحقوق أى إنسان لعدم إيمانه فاحترم حرمة الإنسان وحقوقه مطلقة.
- إن طوق النجاة لهذه الأمة فى ظل المؤامرات المحيطة بها والتى اعتمدت بشكل أساسى على جماعات الإرهاب، وانتشار الأفكار الفاسدة بين الشباب يكمن فى إعداد برامج للمواجهة الفكرية، والعمل على تصحيح المفاهيم المرتبطة بالإسلام حتى يتحرر شبابنا من هذا الأفكار التدميرية، ويعرفوا حقيقة الإسلام فهو دين الحرية والعدل والرحمة واحترام حقوق الإنسان.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة