كيف يمكن أن تستعيد مصر دورها كقوة عظمى ثقافية، وكيف يتسنى لها أن تعود لتقود الذوق العربى والثقافة العربية والفن العربى من جديد؟
مصر عاشت سنين طويلة على ما حققته فى أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، عندما كانت المركز الحقيقى للفن والثقافة والفكر فى العالمين العربى والإسلامى، ونافست مراكز الإشعاع الحضارى فى باريس ولندن والولايات المتحدة والهند، وعندما حدثت الانتكاسات المتتالية، ظل رصيدها لدى العرب والمسلمين وفى العالم مستمرا لعقود، وظل ذوقها وإبداعها ونمط حياتها يشكل أذواق وعقول العرب والمسلمين، حتى انحسر أخيرا بفعل نشأة مراكز إبداعية فى عواصم عربية أخرى، ومع الإهمال المستمر للدور الثقافى والحضارى المصرى.
استعادة هذا الدور الحضارى والثقافى والفنى ليس ترفا، ولا ضمن الخيارات الثانوية فى خطط النهضة، لكنه يجب أن يكون فى مقدمة خطط الطوارئ لانتشال مصر من أزمتها، وبالمناسبة فإن مردوده الاقتصادى هائل، مثلما هو الحال فى مردوده السياسى والاجتماعى.
سأضرب مثالاً واحداً فى كيفية استعادة مصر لدورها بصناعة السينما والمسرح والتليفزيون، فمصر لديها بنية أساسية من استديوهات ورصيد سينمائى وكوادر مدربة، ما يمكنها من تحقيق طفرة فى الإنتاج الفنى والثقافى عالميا وإقليميا باستثمارات محلية وعربية، وتبقى الرؤية التى تؤطر وتدفع، والإدارة الحكومية التى تسهل وتبسط الإجراءات وتصنع المناخ العام الإيجابى الذى يعظم الإبداع ويحض عليه.
وعودة الإنتاج السينمائى والمسرحى والتليفزيونى المصرى بكثافة، يعوض من ناحية من خسرناه من أرض فى مجال الإعلام، ويعيد المد الثقافى المصرى إلى الأطراف العربية، ويكرس للتوجه المصرى ونمط الحياة بعد سيادة أنماط عربية بعضها بائدة وبعضها متطرفة حتى ضربت المركز المصرى فى الصميم.
عودة الإنتاج الفنى المصرى بكثافة يعنى دفعة جديدة للاقتصاد من خلال تسويق الإنتاج السينمائى والتليفزيونى، ودفع عجلة إنتاج ضخمة لصناعة ضربها الكساد تقريباً، وتشغيل مئات الآلاف من الكوادر المتخصصة والعمالة المساعدة وإنعاش الروح الإبداعية المصرية.
وللحديث بقية..