كتبت فى اليومين الماضيين عن قصة لقائى وصديقى الراحل مجدى حسنين مع الشاعرين الفلسطينيين، محمود درويش، وسميح القاسم الذى رحل قبل أيام، واختتم القصة.
انضم إلى جلستنا «1988» الفنان الراحل كرم مطاوع، والكاتب يوسف القعيد الذى سأل «سميح» عن كيف رأى آلاف المصريين يستمعون إلى شعره؟، وماذا عن مشاعره وهو يسير فى شوارع القاهرة؟، أجاب سميح بتدفق: «وجودى هنا فى مصر تجربة لم أخرج منها بعد، فطيلة حياتى لم أشاهد عمارة 10 أدوار جميعها سكانها من العرب، حين أنظر إلى الأبراج الجميلة عبر شرفة الفندق، يصعب على أن أصدق أن كل سكان هذه الأبراج هم عرب، منذ احتلال فلسطين عام 1948
أعيش بين أقليتى العربية، وهى أقلية فى كل بلد أوربية زرتها، قد يبدو كلامى سخيفا، لكنه يعبر عن تجربة حادة وجديدة بالنسبة لى، سأخرج منها بلا شك، لكن ذلك يقتضى أن تدبروا لى زيارة أخرى إلى القاهرة، التى لم أتوقع أبدا أن تكون بمثل هذه الضخامة، فالقاهرة فى وجدانى تكاد تنتهى عند العهد الفاطمى».
واصل سميح حديثه عن القاهرة التى رآها لأول مرة: «القاهرة تغنينى عن كل مدن العالم التى رأيتها، هى تمتاز عن باقى المدن بأنها تجمع أقصى العراقة، وأضخم ما أنتجت الحضارة البشرية فى عصورها القديمة إلى آخر المنتجات المعمارية ذات الطابع الإنسانى، أرجو أن لا تشيدوا فى القاهرة ناطحات سحاب على غرار ما هو قائم فى نيويورك وباريس ولندن وأى مدينة عالمية أخرى».
أضاف سميح: «المبانى الأثرية فى القاهرة وهى جواهر حقيقية، أتمنى أن تكون أنظف وأنقى بكثير، أتمنى أن يكون هناك مزيد من الجهد لصيانة هذه المبانى الأثرية، فكل حجر هو عمر
هو فن حضارى عظيم، وآلمنى جدا أن الكثير من المبانى الآثرية التى رأيتها وكأن أحدا لا يلتفت إليها، القاهرة فى وضعها الراهن أجمل مدن الدنيا فى نظرى، ولكنها بحاجة إلى مليار دولار حتى تكون القاهرة الحقيقية التى أراها بخيالى، القاهرة التى ينبغى أن ترى، إذا كانت القاهرة هى أهم مدن الدنيا بدون منازع، فكيف يمكن أن تبقى بما هو فيها بدون استيراد».
سألت محمود درويش عن سر تأليفه قصيدته المدهشة «أحن إلى خبز أمى.. وقهوة أمى.. ولمسة أمى.. وتكبر فى الطفولة.. يوما على صدر يومى.. وأعشق عمرى لأنى.. إذا مت، أخجل من دمع أمى»، فروى قصة طويلة مؤثرة، خلاصتها أنه كتبها اعتذارا لأمه حين زارته فى سجن الاحتلال الإسرائيلى عام 1962، وكان يظن أنها لا تحبه، وحين أبلغه سجانه أن له زيارة لم يتوقع أنها هى، ولما رآها اكتشف أن بداخلها وبداخله حبا متبادلا أوسع من أى كلمات، فكتب لها هذه القصيدة اعتذارا على ما مضى.
كان «درويش» يحكى بتأثر كبير، وبين جملة وأخرى يقول لسميح: «فاكر يا سميح»، فيهز سميح رأسه موافقا حتى قال: «يكبر الإنسان فيصحح مشاعره، ومع الكبر نكتشف أننا ظلمنا أهلنا، فنعيد تفسير الأشياء تفسيرا صحيحا، أم محمود عنده أغلى من الحياة».
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة