كنت أتصفح كتاب هيلارى كلينتون الأخير «خيارات صعبة»، وتتحدث فيه عن مذكراتها فيما يختص بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أنها تستعد بهذا الكتاب لغسل سياساتها ومواقفها كوزيرة للخارجية فى فترة من أصعب الفترات التى مر بها العالم، والشرق الأوسط تحديدًا، استعدادًا للانتخابات المقبلة. تحدثت كثيرًا عن القيم الأمريكية، مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، كدافع رئيسى وراء سياسات الولايات المتحدة تجاه دول العالم.. ملائكية مصطنعة ومقيتة انكشفت تدريجيًا، خاصة فى مصر وقت حكم الإخوان، ثم كانت جلية وفجة ووقحة بعد ثورة 30 يونيو التى من المؤكد أنها كانت خارج كل حسابات وسيناريوهات المخابرات الأمريكية. أحد أجزاء الكتاب كان مخصصًا لما أطلقوا عليه «الربيع العربى»، وذكرت أنها كانت تخطط لزيارة للشرق الأوسط فى مطلع يناير 2011، وقالت لمساعديها: أريد أن يكون خطابى فارقًا، فالوضع فى الشرق الأوسط غير مستقر، ولم يعد يحتمل، وتريد أن توجه خطابًا للنشطاء ومنظمات المجتمع المدنى، وكل اللاعبين السياسيين فى بلدان الشرق الأوسط بهذا المعنى، وتريد أن تستغل المؤتمر السنوى فى الدوحة لتوجيه هذه الكلمة، لأن قطر الدولة الغنية بالبترول هى «أنسب» مكان لتوجيه هذه الكلمة الفارقة على حد قولها! يعنى بلدان المنطقة الديكتاتورية مش عاجبها إلا قطر.. قطر.. واخد لى بالك! ثم أضافت أن كونداليزا رايس من 2005 قد أعلنت أن أمريكا قد فشلت فى سياساتها السابقة التى تعتمد على «الاستقرار على حساب الديمقراطية»، وبالتالى تبنوا سياسة الديمقراطية هى الحل على حساب الاستقرار.. كوتشينة سياسية يا سادة.. هات الشايب وخد الآس.. أرادوا أن يقنعونا ويعطوا مبررًا لأنفسهم أمام العالم بأن دعمهم وتمويلهم الفج والعلنى للنشطاء ومنظمات المجتمع المدنى، بأن هذا التحول فى السياسة الأمريكية، هو فقط وفقط من أجل المبادئ الأمريكية السامية والنبيلة! وليس خريطة جديدة للشرق الأوسط، ومصالح صهيوأمريكية من خلال تجنيد العميل القادر على تنفيذ هذا المخطط، وهو التنظيم الدولى للإخوان المسلمين!
بعض السذج يقولون إنه لم يكن هناك مخطط ولا مؤامرة ولا يحزنون، القصة كلها أنه بعد ثورة يناير التى فاجأتهم، ولم تكن فى الحسبان، كان الكيان الأكثر تنظيمًا هو الإخوان، فعلى البركة نتحالف معهم من أجل الاستقرار ودعمًا للديمقراطية.. هذه المقولة تنم عن طفولة سياسية، أن يتم تجاهل مؤسسات ومراكز أبحاث ودراسات ومخابرات أمريكية لوضع سيناريوهات محتملة ودراسة لخريطة القوى السياسية بحيث يكون كل شىء مدروسًا.
تستشعر من كلام كلينتون فى كتابها، خاصة فيما يختص بالحلم الأمريكى فى الشرق الأوسط، المسمى بمشروع الربيع العربى، أنها كاربونة من نشطاء منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدنى إياها فى مصر (فولة واتقسمت نصين)، فناشطة الربيع العربى هيلارى كلينتون أسهبت فى الحديث عن عظمة ثورة يناير، وتجاهلت ثورة يونيو، وعدم ضلوع الإخوان نهائيًا فى أى تآمر أو تخابر، ولم تذكر نهائيًا اقتحام السجون، وحرق الأقسام، ولا علاقات التنظيم الدولى بتركيا وقطر، وسخرت بشدة من نظرية المؤامرة، ثم حديثها الساذج عن أن أحمد شفيق هو مرشح دولة مبارك والمؤسسة العسكرية يذكرنى تمامًا بفكر النشطاء، بل أنا كنت أيضًا أحد المخدوعين بفكرة أن المجلس العسكرى (طنطاوى وعنان) كان يدعم شفيق، وسيزور الانتخابات له، ولكن فى واقع الأمر اتضح أن الفريق شفيق فى معسكر آخر تمامًا، بل غير محبوب على ما يبدو من الجنرالات الكبار إلى الآن! وتم غلق ملف تزوير الانتخابات بعد تنحى أربعة قضاة تحقيق، ولا أحد يعرف السبب، والحقيقة غائبة.