حينما تحدث الدكتور عادل عدوى، وزير الصحة عن جهود وزارة الصحة والسكان فى مكافحة مرض الالتهاب الكبدى الفيروسى سى، وذلك باستخدام الجيل الجديد من الأدوية الحديثة التى تم اكتشافها مؤخراً وتسجيلها عالمياً وذلك فى المؤتمر الصحفى الذى عقدته اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية بحضور 100 أستاذ من أساتذة أمراض الكبد على مستوى الجمهورية، فإنه بهذا الحديث الذى كان نابعا من القلب قد قلب علينا المواجع، لما يسببه هذا المرض اللعين من «صداع» يؤرق الكثير من الأسر المصرية خاصة أن هناك دراسة علمية تؤكد أن %25 من المصريين مصابون بالتهاب الكبد الوبائى «C».
وبمناسبة الحديث عن الإصابة بفيروس c فإن هناك إحصائية بالغة الخطورة عن أن معظم الإصابات سببها الرئيسى هو الأطباء والمستشفيات!! إنها كارثة مرعبة أن يكون الداء من صاحب الدواء، غياب الضمير والإهمال والعشوائية خطايا طبية مدمرة، لذلك أطالب بتوقيع أقصى عقوبة على الطبيب أو المستشفى الذى يثبت عليه نقل العدوى، هل هى مشكلة أن تجهز غرف العمليات وتكون أدواتها معقمة ومناظيرها معقمة وقساطرها لا تستخدم إلا مرة واحدة؟، هل هى معضلة أن تكون أكياس الدم خاضعة لتحاليل قاسية ومعايير صارمة؟، أعرف أن هناك جهوداً جبارة تبذلها بنوك الدم والمستشفيات المحترمة وبعض الجنود المجهولين فى وزارة الصحة، ولكن العشوائية ما زالت تحكم وتسيطر، وما زال الضمير المهنى غائباً، الأمر الذى يتطلب إعادة النظر من وزارة الصحة وبشىء من الاهتمام إلى مراكز علاج مرضى الكبد فى المحافظات، فتلك المراكز إن وجدت فإن الغالبية العظمى منها تعانى نقصاً شديداً من حيث التجهيزات والكوادر البشرية المدربة، ولكن وللأسف الشديد فإن عددا كبيراً من المستشفيات بالمحافظات لا يوجد بها أقسام متخصصة فى علاج مرضى فيروس سى فيضطر المريض إلى السفر لأماكن بعيدة وربما يجد نفسه مضطرا إلى السفر إلى القاهرة لتلقى العلاج من هذا المرض اللعين، فلماذا لا يوجد فى كل محافظة مركز لعلاج مرضى فيروس c، فضلاً على ذلك فإن العلاج من هذا المرض يتطلب أموالاً كثيرة تمثل عبئاً ثقيلاً على الأسر محدودة الدخل.
والحق يقال فإن الحديث عن مرضى فيروس سى وما يصاحبه من مشاكل لا حصر لها يقودنا إلى الحديث وبشكل مباشر إلى ما تشهده المنظومة الصحية من تدهور، فهناك من يرى أن السبب الرئيسى فى تلك المأساة هو نقص التمويل وآخرون يرون فى أجر التمريض سببا رئيسيا وراء المعاملة المزرية للمرضى بالمستشفيات وغياب الطبيب المسؤول يتسبب أيضاً فى كل تلك الفوضى، بخلاف قيام مسؤولى النظام البائد بتقسيم ميزانية المستشفيات بين جزء إنشائى وآخر تجهيزى مما أثر سلبا على إمكانات المستشفيات.
الأمر الذى يدفعنى إلى القول بأن المنظومة الصحية فى مصر تحتاج إلى قرار سياسى ورصد لأسباب تدهور الإنفاق الحكومى التى تتمثل فى تعدد الهياكل داخل المنظومة الصحية من تأمين صحى ووزارة الصحة والجامعة والهيئات المتخصصة التابعة لوزارة الصحة والقطاعين العام والخاص ما يعمل على تناثر الجهود دون تنسيق داخلى يجمع الهيكل الحكومى فى هيكل تأمينى اجتماعى شامل ويكون بطبيعته غير هادف للربح، وأنا على يقين من أنه لو تم طرح موضوع هيكلة الصحة فى مؤتمر قومى لأجمعت الغالبية العظمى من القوى الوطنية على مضاعفة الإنفاق الصحى ثلاثة أضعاف وبقاء الهيكل الحكومى وتطويره.
وعلى الرغم من أننى على يقين بأن الدكتور عادل عدوى لن يتوانى ولو للحظة فى إيجاد علاج جذرى للأمراض المزمنة التى يعانى منها المواطن المصرى فإننى ما زلت أرى وكما قلت من قبل أن منظومة الصحة فى مصر بصفة عامة فى حاجة إلى إعادة نظر بل وتحتاج إلى تغيير جذرى يقلبها رأساً على عقب، فها هى الغالبية العظمى من المستشفيات الحكومية تعانى من الإهمال الذى «عشش» بداخلها على مر السنين فتحول عدد ليس قليلا منها إلى ما يشبه المستنقعات التى تصدر منها الأوبئة والأمراض بدلاً من تخفيف آلام المرض عن البسطاء الذين يذوقون المر سعياً وراء الحصول على خدمة طبية فى أى مكان.
لذا فإننى على يقين بأن ما تقوم به وزارة الصحة من مشروعات تطوير وتحديث لبعض المستشفيات العامة فى أماكن عديدة بالمحافظات أشبه بالعمليات الجراحية الدقيقة التى تتطلب نوعاً من الرعاية والاهتمام لأن المحصلة النهائية تكون لمصلحة المواطنين، فها هى مستشفيات كثيرة فى أماكن عديدة تشهد تطويراً وتشهد تحسناً ملحوظاً فى مستوى الخدمة الطبية وفى التعامل مع المرضى وهنا أود الإدارة بتلك الزيارات الميدانية المفاجئة التى يقوم بها وزير الصحة ليتأكد بنفسه من سير العمل على أكمل وجه فى المستشفيات العامة والتأكد من معايير الجودة التى من شأنها أن تجعل تلك المستشفيات مؤهلة لتقديم خدمات التأمين الصحى الشامل الذى سيتم العمل به قريباً.
وهنا أهمس فى أذن الدكتور عادل عدوى وزير الصحة، منبهاً إلى أن المستشفيات العامة ليست هى مستشفيات المدن الكبرى وحسب بل هناك مستشفيات قروية ووحدات صحية فى حاجة ماسة إلى اهتمام شخصى منه، لأنه- وكما أعرفه- مهموم بإيجاد حلول عاجلة وعملية وتتسق مع أرض الواقع للمشاكل الصحية التى يعانى منها المرضى البسطاء على وجه الخصوص.
ولم يتوقف الخلل فى المنظومة الصحية عن هذا الحد وحسب بل يمتد ليشمل أيضاً العلاج على نفقة الدولة الذى تحول خلال السنوات الماضية إلى فساد فاحت رائحته وأصبحت تزكم الأنوف من بشاعتها فقد استغل بعض أصحاب الضمائر الخربة هذه الخدمة الطبية من أجل الحصول على المال الحرام، وذلك فى غفلة من رقابة الدولة إلى أن استيقظت وزارة الصحة وأعادت تصويب هذا الوضع المقلوب فوضعت معايير قاسية للعلاج على نفقة الدولة، وعلى الرغم من ذلك يظل هذا الملف مفتوحاً ويتلطب إعادة نظر لأن التشديد فى المعايير المطلوب توافرها فى العلاج على نفقة الدولة يزيد من هذه المشكلة تعقيدا ويزيد من معاناة المرضى الذين هم بالفعل فى أمس الحاجة إلى هذا النوع من العلاج الذى يفوق إمكاناتهم المادية، وأعتقد أنه مطلب مشروع وعادل أن يحصل المواطن البسيط على العلاج على نفقة الدولة بإجراءات سهلة، وهو ما أرى ضرورة أن يضعه الدكتور عادل عدوى نصب عينيه، وهو يقوم بإيجاد حلول عملية للمشكلات المزمنة التى يعانى منها القطاع الطبى.
وحينما نتطرق بالحديث عن جانب آخر من جوانب المنظومة الطبية فى مصر فإنه يتعين علينا إلقاء الضوء على ما يجرى الآن من تطوير شامل وجذرى لأقسام الطوارئ فى المستشفيات العامة، فقد قال لى وزير الصحة، إن أقسام الطوائ فى المستشفيات العامة بمثابة بوابة الدخول إلى ما تقدمه الدولة من خدمات طبية، وإنه يولى هذه المسألة اهتماماً، خاصة أنه لن يتوانى فى معاقبة من يسىء التعامل مع المرضى. وعلى الرغم من أننى على قناعة تامة بأهمية ما يقوم به من حركة دؤوبة بشكل يومى فإننى أطالب الحكومة بمساندته فى هذه المهمة القتالية التى يقوم بها فكلنا نعلم أن الشدة وأسلوب الحزم الذى يستخدمه وزير الصحة يخلق حالة احتقان وحالة تذمر لدى أصحاب القلوب الضعيفة، ويتسبب فى الكثير والكثير من الأحقاد تصل أحيانا إلى محاولة عرقلة مسيرة النهوض بالخدمات الصحية التى تجرى حاليا فى شتى أنحاء مصر.
ولكن أنا على يقين من أن الجهود التى يبذلها وزير الصحة فى هذا الشأن سوف تكلل بالنجاح إن شاء الله لأنها نابعة من القلب وخالصة لوجه الله عز وجل، أما أصحاب الضمائر الميتة الذين يزعجهم هذا النشاط فسوف تبوء محاولاتهم بالفشل لأن الله سبحانه وتعالى يقف دائما إلى جوار الصادقين والمخلصين والذين يسعون من أجل خير الأمة ومن أجل مساعدة المحتاجين.. فقد قال تعالى فى محكم آياته (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
أقولها وبكل صدق ودون أدنى مجاملة.. إن الدكتور عادل عدوى وزير الصحة هو بحق رجل الساعة الذى يتسق فكره وطموحاته مع رؤى وتصورات القيادة السياسية فى هذا التوقيت بالذات الذى يشهد حركة سريعة ومتلاحقة نحو تنمية حقيقية فى جميع المجالات من شأنها تغيير وجه الحياة بالكامل على أرض مصر.
لذا فإنه الرجل المناسب الذى جاء فى التوقيت المناسب ليعيد رسم المنظومة الصحية فى مصر، بعد أن ظلت لسنوات وسنوات مثالاً للإهمال والتسيب والفوضى.