أعنى بالطبع البرلمان القادم، الذى حدد قانون مجلس النواب طبيعة تركيبته، فهو برلمان أصحاب النفوذ المالى والعشائرى والقبلى، فلا توجد أى بادرة تقول إن الأحزاب أو التحالفات السياسية التى تبدو فرص تكوينها أو استمرارها قائمة ستكون رقما فى معادلاته، فالرهان على تحالف 30 يونيو وإمكانية أن ينجح فى تشكيل قائمة انتخابية موحدة، يصطدم بانهيار هذا التحالف من جانب حيث تشكل من تحالف تلقائى جمع بين متنقاضين، أحدهما ظل يتصور أنه بديل عن الآخر أو جاء لينسخ فعله لحساب إعادة إنتاج الماضى، إضافة إلى القانون الانتخابى الذى جعل نصيب القوائم الحزبية لا يتجاوز %24 مقابل %76 للمقاعد الفردية، كما أن التيار الثورى لم يقتنع بعد بعدم جدوى هذا التشظى فى عشرات الائتلافات التى لم تنتج حزبا واحدا، يمكن أن يمثل أهداف الثورة المغدورة من جانب، وعدم قدرة المجموعات الثورية على تحسس مزاج الشارع الذى ساهمت عوامل متعددة فى دفعه بعيدا عن الثورة ومفرداتها ومسارها من جانب آخر، وبالرغم من ذلك لازالت تلك القوى غير قادرة على إنجاز خطاب يلامس وجدان تلك القطاعات، التى دفعت فاتورة باهظة للتأرجح بين المسارات الثورية والسياسية، خلال المرحلة الانتقالية التى كانت بعض فصولها انتقامية بالفعل، خصوصا بحق تلك الشرائح.
لدينا فى سوق السياسة فى مصر فائض فى الكلام دون وجود سياسة بالفعل، يتبدى ذلك فى أحزاب عدد أعضاء الهيئة العليا فى كل حزب منها، أكثر من عدد الأعضاء ومتحدثين إعلاميين لديهم شهية للإعلام أكثر من شهيتهم للعمل السياسى ذاته، دون وجود حقيقى فى الشارع وربما هذا هو ما أغرى صانع القرار بأن ينتصر القانون للمقاعد الفردية على حساب المقاعد الحزبية، بما يطرح سؤالين فى غاية الأهمية: الأول هو أليس من أهم أولويات هذا البرلمان نقل الدستور الجديد إلى حيز الوجود الواقعى، من خلال تشريعات لا أتصور أن يتصدى لها هذا البرلمان بهذه التركيبة، التى ستكون معنية بتهيئة البيئة التشريعية لتكون فى صالح التحالف القديم بين العشائر ورأس المال، وبالتالى باتجاه مصالح تلك الطبقة، بما يهدم التوجهات التى نص عليها الدستور من عدالة اجتماعية ورعاية للطبقات الأكثر فقرا وتهميشا، ودعما لدور أكبر للدولة فى رعاية مصالح تلك الطبقات، التى تضررت كثيرا فى غياب الدولة الحارسة التى استسلمت لرغبات ومصالح رجال الأعمال فى العقد السابق على ثورة يناير، إذن نهوض البرلمان بمهمة تقنين نصوص الدستور هو محل شك، فى ظل هذه التركيبة وهذا التوجه.
السؤال الثانى متعلق أيضا بالدستور، الذى جعل تشكيل الحكومة من الأغلبية ووزع الصلاحيات بين رئيس الدولة والبرلمان والحكومة، كيف سيختار الرئيس رئيس الحكومة فى ظل برلمان لا تحتفظ فيه أى قوى بالأغلبية، التى لن تتحقق سوى بأن يلتئم نواب مستقلون فى كتلة حزب يتشكل فى البرلمان، وهو افتراض غير واقعى وبالتالى سيكون البرلمان أخلاط من أفراد مع نسبة ضئيلة جدا للأحزاب، من أين سيأتى رئيس الوزراء والوزراء؟ سيكون نمط اختيارهم هو نفس نمط ما قبل ثورة يناير، كحق مطلق للرئيس دون أن يستدرك عليه أحد أو يلومه فى شكل أو طبيعة الاختيار، وبالتالى يصبح النص الدستورى نصا بلا وجود حقيقى فى الواقع، لأنه لم تتوفر إرادة سياسية تجعل تمكين الدستور واقعا من خلال إصلاح هذا الخلل فى البنى السياسية الحزبية من جانب، والخلل فى التشريع الحالى الذى يجعل الأغلبية للمقاعد الفردية، وهو ما ينبغى إعادة النظر فيه احتراما للدستور، ولتضحيات الثوار التى لم يقدموها لنحظى بنظام سياسى بهذا الشكل، الذى هو أقرب لنظام رئاسى صارخ فى الواقع، رغم أن النص الدستورى يتحدث عن نظام آخر لا يسعى أحد لإيجاده فى الواقع.
عندما يكون البرلمان هو «سمك لبن تمر هندى»، بلا أى تجانس بين مكوناته وغياب إمكانية أن يحرز أى تيار الأغلبية، أو حتى نظريا فكرة تأسيس ائتلافات أو حكومة ائتلافية، لم تعرفها تجربتنا الحزبية القصيرة والضعيفة وغلبة العشائر ورأس المال.
عندما تنصرف الدعاية السياسية للحديث عن أننا نعانى من تخمة سياسية أو تورم فى السياسة، على حد تعبير أحد كبار الأطباء النفسيين فى مصر، وفى الحقيقة هذا حق يراد به باطل فلم تعرف مصر فى أربعة عقود، سياسة حقيقية يمكن تقييمها أو الحكم عليها، وراهن الجميع على فتح الأفق السياسى بعد ثورة 25 يناير وتأسست العديد من الأحزاب بالفعل لم تعبر عن وجود حقيقى فى الشارع، أو صدق تمثيل عن أى قوى اجتماعية ظلت محجوبة عن التمثيل، أتصور أن هذا الديكور السياسى الذى جسدته تلك الأحزاب، التى كانت جزءا من دولة شاخت وقامت ثورة من أجل أن تعيد دفع الدماء فى شرايينها، تلك الأحزاب التى لم تحرك ساكنا تجاه أى خروج على الدستور أو انحراف عن ثورة يناير، أتصور أن هذا الديكور يجب أن يكون جزءا من الماضى الذى لا يريد أن يرحل، لحساب مستقبل يجب أن يولد، وهو ما لن يفى بتحقيقه سوى صدور قرار بحل كل تلك الأحزاب، واشتراط ألا يتأسس حزب إلا إذا كان أعضاؤه المؤسسون لا يقلون عن %5 ممن لهم حق الانتخاب، بمعنى أنه إذا كانت الجمعية العمومية للناخبين فى مصر خمسين مليون مواطن ومواطنة، فيجب ألا يقل مؤسسو أى حزب جديد عن ربع مليون مواطن، بما يعيد الاعتبار لفكرة حزب يعبر عن قوى اجتماعية حقيقية، ويجعلنا بصدد بناء حزبى حقيقى وأحزاب قادرة على خوض معارك سياسية وانتخابية حقيقية، والوصول بنوابها للبرلمان ومن ثم تشكيل الحكومة أو الاشتراك مع غيرها فى تشكيلها فى حال الائتلاف.
هذا بالطبع فى ظل قانون انتخابى يجعل %50 من البرلمان بنظام القوائم الحزبية، والنصف الآخر بالنظام الفردى، ليتولى البرلمان الجديد بعد ذلك تثبيت هذا التشريع أو تغيير النسب بحسب إرادة نواب الشعب، وهو ما يحتاج قرارا من رئيس الدولة الذى لا أظنه راغبا فى إعادة التشوه فى الحياة السياسية المصرية، حرصا على مصالح آنية ضيقة ومن ثم مصادرة فرص المستقبل الذى تمر فرص ولادته بإصلاح هذا التشوه، الذى أفسد كل شىء فى مصر لتعود السياسة إلى مصر بعد غيبة طويلة، ويولد المستقبل الذى لا يمر عبر برلمان يمكن أن نطلق عليه من خلال ما تقدم برلمان الثورة المضادة، نعم إنه برلمان الثورة المضادة!!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الوهاب البرلسى بالنقض
أصلا لم يحدث فى مصر ثورة فى 25 يناير حتى نتحدث عن ثورة مضادة !!
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الوهاب البرلسى بالنقض
أصلا لم يحدث فى مصر ثورة فى 25 يناير حتى نتحدث عن ثورة مضادة !!
عدد الردود 0
بواسطة:
سعيد
اليوم السابع