(1)
وقف الفنان محمد بدر الدين نوفل على خشبة المسرحية الشهيرة «شاهد مشفش حاجة» وقال للقاضى: أنا خليفة خلف الله خلف خلاف المحامى حاضر عن المتهم، سكت القاضى وضحك عادل إمام وتحول اسم المحامى إلى إفيه حاضر فى أذهان الجماهير.
من خلف القفص الكوميدى أطل علينا الفنان الإسكندرانى نصر سيف أو «سلومة الأقرع» برأسه الصلعاء وملامحه المخيفة وجسده الضخم، وجلب معه كل ذكريات طفولتنا التى لم تكن ترى هذا الوجه فى أفلام السينما سوى بلطجى أو قاتل، بمعنى أصح نموذج لرجل العصابات وأعمال الشر.
قبل أن يستيقظ الجمهور من غرابة اسم المحامى ومشهد القفص الكوميدى، كان الجميع يضحك بهستريا وهو يسمع مرافعة المحامى ووصفه لموكله قائلا: (أستحلفكم بالله العظيم أن تنظروا إلى موكلى.. انظروا إليه.. انظروا إلى هذا الملاك الطاهر.. انظروا إلى هذا الحمل الوديع، إنى استحلفكم بالله أن تنظروا إلى جبهته العريضة الناصعة البياض التى وإن دلت فإنما تدل على صفاء قلبه، ونقاء سريرته هل يمكن أن يقتل، هل يمكن أن يرتكب جريمة؟).
من لحظتها أدركنا أن للمثل الشعبى «القرد فى عين أمه غزال»، له صياغة أخرى تقول: «المتهم فى عين محاميه ملاك بجناحين»، ثم مرت الأيام وجاء يوم 2 أغسطس 2014 لنكتشف معه أن مشهد المحكمة فى مسرحية شاهد مشفش حاجة التى تم انتاجها فى يونيو 1976، له جزء ثان قام ببطولته المحامى الكبير فريد الديب والرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك.
(2)
لم يفعل فريد الديب محامى مبارك وأولاده فى مرافعته الثانية أكثر من الإسهاب فى وصف مبارك بالجميل من الصفات، وسرد تاريخه وكأنه أحد الأبطال المظفرين الذين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم أو من خلفهم، حاول فريد الديب أن يصنع أجنحة بيضاء ويلصقها بظهر مبارك، لإثبات أنه ملاك برىء لم تشهد البلاد فى عصره فسادا أو مرضا أو جريمة ولكن للأسف، الواقع لا يمكنه أن يسعف فريد الديب ولا كتيبة من المحامين، ومثلما كان واقع ملامح «سلومة الأقرع» القبيحة والشريرة دافعا لانتزاع ضحكات المشاهدين حينما يصفه محاميه بالبراءة، كانت ملامح واقع مبارك المتخم بالفساد والدم دافعا لإضحاك الجمهور، وتحول مرافعة الديب إلى مادة كوميدية.
(3 )
فى نفس توقيت مرافعة فريد الديب ودفاعه عن مبارك بتشويه ثورة 25 يناير كان النائب العام قد أرسل فى استدعاء الراقصة «صافيناز» للتحقيق معها بتهمة إهانة العلم المصرى بعد أن ظهرت وهى ترقص مرتدية بدلة رقص خليعة على شكل علم مصر.. ولكن فريد الديب فعل ما هو أبشع من جريمة صافيناز ولم يستدعه أحد حتى الآن؟
(4)
جريمة فريد الديب تجلت فى مرافعته التى تم بناؤها على نظرية واحدة تقول بأن 25 يناير كانت مؤامرة، وقال الأستاذ فريد بالنص: (هل يناير ثورة أم مؤامرة؟: «تم إنفاق أموال أجنبية على حركة 6 إبريل وكفاية وكلنا خالد سعيد مما يؤكد أنها مؤامرة وليست ثورة».. ثم عاد وأكد قائلا: (الشعب المصرى تستهويه كلمة ثورة وأنه غرر بهذه الكلمة، واستغل أسوأ استغلال ولذلك يتم خداعهم بهذا اللفظ، وتحويل المؤامرة التى حدثت فى 25 يناير لتخريب مصر إلى ثورة).
هذا رأى فريد الديب فى الثورة المصرية، نسمعه مثله مثل الكثير من آراء الفنانين والسياسيين وبعض رجال مبارك وبعض الإعلاميين وتلك آراؤهم أو قل تلك بقايا فساد أزمنة مبارك بداخلهم تمنعهم عن رؤية الملايين التى خرجت فى 25 يناير 2011 لتطلب الحرية والعدالة والكرامة.
تلك حريتهم وهذه آراؤهم لا نحكر عليها ولا نقمعها، ولكن يمكننا أن نضحك عليها، أو عليهم حينما نكتشف أن تأكيد السيد فريد الديب على أن 25 يناير مؤامرة لتخريب مصر وليست ثورة، هو فعل يخالف وينسف ويدمر الدستور المصرى الذى صوت عليه ملايين المصريين بنعم.
السيد فريد الديب يقول إن ثورة يناير مؤامرة والدستور الذى يحكم مصر يؤكد أن ثورة يناير ثورة شريفة وعظيمة، وأن مواد الدستور كلها نابعة من ثورتين 25 يناير و30 يونيو، بل ووصف الدستور ثورة 25 يناير تحديدا بأنها ثورة فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية، وأن الشعب برجاله ونسائه وشبابه شاركوا فيها بالملايين، وأن الجيش تكفل بحمايته والكنيسة والأزهر باركوها.. من يفصل إذن بين فريد الديب والدستور المصرى؟
إما أن يكون محامى مبارك على حق ويناير مؤامرة كبرى، ووقتها لابد من تعديل الدستور ومحاكمة الجيش والأزهر والكنيسة بتهمة المشاركة فى مؤامرة لتخريب مصر، أو تكون كلمات فريد الديب لتشويه الثورة مجرد افتراءات من محام، مستعد أن يبيع ثورة بشهدائها بجيش حماها ومواطنين شاركوا فيها من أجل تبرئة مبارك، وتلك ليست مرة فريد الديب الأولى فقد سبق وفعلها حينما قرر أن يبيع مصر كلها من أجل تبرئة الجاسوس عزام عزام.
إهانة فريد الديب لثورة 25 يناير وشهدائها وللدستور الذى يعترف بها لا تحتاج إلى تحقيقات أو تحريات، بل فقط تحتاج إعادة الإطلاع على المرافعة الأولى التى ألقاها فريد الديب فى نفس القضية بتاريخ 27 يونيو 2011 حينما دافع عن مبارك أمام القاضى أحمد رفعت قائلا: ( إن 25 يناير ثورة شريفة أيدها مبارك، مبارك» لم يسع إلى إثناء المتظاهرين السلميين عن مظاهراتهم، بل كان مؤيدا ومساندا لمطالب المتظاهرين واعتبر أن تطلعاتهم مشروعة والدليل، فى خطابه الأول حين كان «يوم 28 يناير لسان حاله للمتظاهرين أنا معكم، أنا أؤيدكم وأيضاً فى خطاب تكليف حكومة شفيق).
(5)
ولأنهم علمونا من قبل أن الذكرى تنفع المؤمنين، نذكركم بأن المادة 98 «ب» من قانون العقوبات تنص على: «يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تزيد على خمسمائة جنيه كل من روج فى الجمهورية المصرية بأية طريقة من الطرق لتغيير مبادئ الدستور الأساسية».. فهل يتحرك أحدكم لكى يتخذ العدل مجراه وحماية دستور الأمة من نزوات أصحاب المصالح؟!
محمد الدسوقى رشدى
فريد الديب يتسلم راية خليفة خلف الله خلف خلاف المحامى
الإثنين، 04 أغسطس 2014 11:41 ص