ذهبت أنا وصديقى الراحل الجميل الصحفى مجدى حسنين إلى عمنا الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم ــ رحمه الله ــ إلى حجرته فى «حوش آدم» فى شهر أكتوبر عام 1987، لنحصل منه على توقيعه على بيان للمبدعين والسياسيين والمفكرين يتضامن مع أبطال تنظيم ثورة مصر بقيادة محمود نورالدين، وكان الدكتور خالد جمال عبدالناصر هو المتهم الثانى فى القضية
وكان أعضاء التنظيم رهن الاعتقال لقيامهم بثلاث عمليات ضد عناصر صهيونية فى القاهرة تعمل فى السفارة الإسرائيلية، وعملية ضد موظف بالسفارة الأمريكية.
قدمنا صورة من البيان إلى شاعرنا الكبير، وبينما هو يواصل قراءته، قال بطريقته وبكلمات من قاموسه الخاص: «لو جيت ياد إنت وهو من ساعة كده، كنت هتلاقوا الواد سعيد صالح هنا، والله كانت فرصة يشوف البيان ده، ويوقع عليه».
كان الفنان سعيد صالح هو المقصود، علت الدهشة وجوهنا ونحن ننطق أنا ومجدى فى نفس واحد: «معقولة سعيد صالح يرضى يوقع على البيان ده؟»، فرد «أبوالنجوم»
«ليه لأ، دا واد هايل، واد بتاع الناس بجد، مش أونطجى، إنتم متعرفوهش، اوعى تفتكر إنت وهو إنه فاضى وشارى دماغه، وبعدين هو عرف طريقه كويس من مدة، دماغه بتعجبنى وبعدين أنا بحبه، أنا قلت له، فيه أكتر من سكة قدامك
بس السكة اللى إنت فيها دلوقتى أحسن حاجة، اللى بينكر الناس، الناس تنكره، وإنت أخترت سكة الناس وخليك فيها على طول».
كان هذا الكلام من عمنا أحمد فؤاد نجم بعد نحو عامين تقريبا من تقديم سعيد صالح مسرحيته «كعبلون»، التى اشتهر فيها بخروجه عن النص، وأسقط على مبارك وصف
«لا بيهش ولا بينش»، مما فتح عليه مواجع كثيرة، وبلغت ذروتها بسجنه فى قضية تعاطى الحشيش، وتزامن كل ذلك مع ظهور حمى الغناء عليه من أشعار فؤاد حداد وصلاح جاهين وبيرم التونسى وأحمد فؤاد نجم، واختيار هؤلاء الشعراء تحديدا يعنى أننا أمام فنان صاحب حالة خاصة جدا.
لم ألتقه صحفيا، لكننى سلمت عليه فى مناسبات مختلفة، وكنت كلما شاهدته تذكرت كلمات «أبوالنجوم» عنه، غير أنه ظل بالنسبة لى ولغيرى حالة خاصة فى الكوميديا، أحبه أكثر من غيره لتلقائيته الشديدة، ولم أجد مبالغة فى وصف الكاتب الراحل محمود السعدنى له فى كتابه «المضحكون»، بأنه أخف دم على الإطلاق، وهو قادر على إضحاك الطوب بحركته أو بلغته أو بإشارة من أصبعه الصغير
ثم هو لأنه نجا بمعجزة من عملية حشو الرأس بشعارات المثقفين ودعاوى الأدعياء، وهو ممثل لأنه خلق ليحترف هذه المهنة، ويشترك مع على الكسار فى ميزة مهمة، لأنه لا يعتمد التمثيل، ولكنه يتحرك على المسرح كما يتحرك فى الشارع، ويتكلم بين شلة من الأصدقاء المقربين.
كنت وصديق العمر الكاتب المتألق جمال الجمل ونحن فى صدر الشباب فى بلدتنا كوم الآطرون طوخ قليوبية، نتسابق فى حب ثلاثى أضواء المسرح، سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد، وبالرغم من أنهم وسعيد صالح جيل واحد تقريبا، إلا أننى حين انتبهت لـ«سعيد صالح» أضحكنى أكثر من غيره، فليرحمه الله.