حين قررت ثورة 23 يوليو 1952 إنشاء طريق كورنيش النيل، وتولى عبداللطيف البغدادى مسؤوليته، سأل الشركات التى ستنفذ المشروع عن المدة الكافية لهم، فقالوا سنة أو أكثر، فرد البغدادى: «ستة أشهر فقط»، وانتهى المشروع، وتم افتتاحه بعد 8 أشهر، وكان هو الأضخم بعد قيام ثورة 23 يوليو مباشرة.
ذكرنى الرئيس عبدالفتاح السيسى بهذه القصة، وهو يعلن، أمس، تنفيذ مشروع تنمية قناة السويس، الذى يشمل حفر قناة جديدة، حيث اختصر فترة تنفيذ المشروع من 3 سنوات إلى سنة واحدة فقط، وشاهده المصريون وهو يتحدث مع رئيس أركان القوات المسلحة ورئيس الهيئة الهندسية بها، قائلا لهما: «تقعدوا، تباتوا، المشروع يخلص بعد سنة».
هى روح الإنجاز التى يتحدث بها الرئيس السيسى، والرغبة الأكيدة فى أن يرى المصريون إنجازا حقيقيا أمامهم فى مجال التنمية، فالعمل الذى يستغرق عاما من الممكن إنجازه فى فترة أقل، لكن شرط توفر الإرادة، ولعل إشارته التى يكررها كثيرا: «مفيش وقت» تلفت نظرنا بقوة إلى أن هناك الكثير فات مصر كان يمكن تحقيقه فى الماضى ولم يتحقق، ولذلك فإنه لم يعد لدينا ترف إضاعة الوقت، لم يعد لدينا إلا أن نذهب إلى المستقبل ومعنا ذخيرة عمل مضنٍ وشاق.
حملت كلمة الرئيس السيسى إشارات عديدة، منها التأكيد على يقظة الدولة، خاصة فيما يتعلق بالأمن القومى حين يكون الحديث عن مشروع مثل «تنمية قناة السويس»، والتى تتواجد فى منطقة حدودية لا يخف على أحد خطر إسرائيل بالنسبة لها، وفى هذه المسألة كان تأكيد «الرئيس» على تواجد القوات المسلحة فى التخطيط للمشروع منذ بدء فكرته مرورا بالتخطيط له، وانتهاء بتنفيذه، بمثابة رسالة طمأنة للمصريين.
فى كلمته بعث الرئيس برسالة طمأنة للمستثمرين الجادين، وضغط على ضرورة مشاركة الجميع فى التنمية والمشروعات الجادة التى تطرحها الدولة مثل استصلاح الأراضى، والتى يذهب الطموح فيها إلى إضافة 4 ملايين فدان إلى مساحة مصر المنزرعة، بعد أن ضاقت أراضى الدلتا التى لا ينفع أن ندخل إلى المستقبل اعتمادا عليها فقط.
تحتاج مصر إلى المشروعات القومية الكبرى التى تعتمد على سواعد أبنائها، وعلى الإرادة الوطنية الحرة، وسيقدمون أعظم التضحيات من أجلها طالما يشعرون أنها لهم، وأنها ستعود بالنفع على البسطاء، وكان هذا سر نجاح مشروع السد العالى أعظم المشروعات القومية التى خاضتها مصر فى القرن العشرين، وارتبط به قرار جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس، وهو القرار الذى غير خريطة العالم فى القرن العشرين، وها نحن فى القرن الحادى والعشرين ندخل عصرا من التنمية من باب قناة السويس كما دخلناها فى القرن الماضى، بما يعنى أهمية هذا الشريان فى حياة مصر ليس على صعيد التنمية والدخل القومى، وإنما على صعيد الكرامة الوطنية التى تبعث بسر الحياة للشعب المصرى.
فى معنى لافت قال الرئيس السيسى كلمة علينا أن نتوقف أمامها كثيرا: «فيه حد ماسك المنطقة دى بيهد فيها، لكن محدش يقدر يغلب شعب»، هى جملة تفك أسرارها حين ننظر إلى ما يحدث حولنا فى ليبيا وفلسطين والعراق وسوريا.