المواطن ليس مسؤولا عن مزاجه، لكنه مفعول به فى ظل زحام الأخبار التى تطارده فى الصباح والمساء، ويتحدد مزاج المواطن غالبا بما يتم بثه من عناوين الأخبار، المواطن يصحو يوميا على مصيبة، تفجير، اغتيال من مسلمين لمسلمين، وعرب لعرب. بدعاوى عرقية وطائفية، وتعليقات تصبغ صباح المواطن بالألوان الغامقة. وإذا نجا من الدم، يجد نفسه فى عالم الفتاوى، هناك من يفتى له فى كل شىء، من السياسة للمشى، ومن الدراجة للطائرة.
لم يعد لدينا سوى الدم، والفتاوى والصراعات والمناوشات والتكفير والتخوين. بينما نشترى كل شىء، بل نتفرغ أحيانا لمتابعة فتاوى تحرم وتحلل استخدام تكنولوجيا لم نخترعها. وكيف ندخل الفيس، وشرعية التويت، وماهية البوست.
هكذا يحدث معنا فى سجلات الدم اليومية التى لم تعد تمثل صدمة ولا مفاجأة، ولا تثير فينا الغضب مثلما كان فى السابق. لدرجة أن مشاهد القتل والذبح فى العراق وسوريا، والتصفيات العرقية والطائفية، التى ترتكبها جماعة داعش وأمثالها، لم تعد تمثل صدمة ولا أزمة لمن يتابعونها.
بل إن الجماعة لا تشعر بخجل، بل تتباهى وتفخر وتحرص على توثيق المذابح وسبى النساء وطرد الأقليات الدينية والعرقية، وعرضها للعالم على شبكات التواصل الاجتماعى وتقدمها للفضائيات باعتبارها فتوحات مهمة تضيف إلى إنجازات «داعش» الحضارية.
وبجانب ذلك فإن القضايا المهمة لم تعد تشغل بال أحد، وربما لهذا لا ينصرف المواطنون لمتابعة ما يجرى من مذابح ترتكبها إسرائيل ضد أطفال فلسطين، وحتى لا تحظى إسرائيل بإدانة، لأن المشاهدين مشغولون بما تفعله داعش فى مسلميها ومواطنيها، وهؤلاء القتلة يحتفلون بالقتل، ولا يعيرون انتباها لإسرائيل. بل تصبح إسرائيل أقل خطرا وعداء من دول عربية أخرى.
وفى الفصل الثانى من الانشغال اليومى، فإننا نرى من يفرض علينا مجادلات ومعارك عن وجود وغياب عذاب القبر، أو فتاوى الحيض والنفاس، وننشغل بحوادث التحرش، وكأننا انتهينا من كل مشكلاتنا فتاوى المراحيض، وتصريحات للمشايخ تحرم وتحلل.
بينما العالم الغربى الذى يتفرج على هذه الصراعات، وربما يدعمها، ينشغل بحياته، واختراعاته، يبحث عن كائنات فوق المريخ، أو يبحث عن أدوية جديدة، يبيع لنا كل شىء من الغبرة للصاروخ. وهو أمر يدهشنا، لأن هناك من يتعب عقله، للبحث عن كيف يجد الناس فى الدنيا وقتا ليفعلوا فيه شيئا غير القتل، وممارسة الفتاوى.